الخميس 2018/07/05

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

هشام حداد، عادل كرم.. والآن زياد الرحباني في "المنار"

الخميس 2018/07/05
هشام حداد، عادل كرم.. والآن زياد الرحباني في "المنار"
ينظر الى الاطلالة من ناحية اختبار حزب الله لوجهه "اللبناني"
increase حجم الخط decrease
لا داعي للحديث عن مقابلة زياد الرحباني الأخيرة بالإنطلاق من مواقفه المألوفة خلالها، رغم أن اتسماها بالاعتيادية لا يلغي كونها سيئة وساذجة. لكن هذه خاتمة إلتحام الفنان الملتزم، مثلما أسس له أدب اليسار اللبناني، مع الجمهور، أي نزوله عند رغبة سلطته.

لا داعي لحديث هذا منطلقه، لا سيما أنه حينها سيكون مملاً، ليس بسبب موضوعه فحسب، بل بسبب التعليق البائس عليه، الذي قد يبدأ بالملامة وينتهي بمقولة "مبدع، ولكن.."، وبينهما لازمة "لكل إنسان الحق في التعبير"، أي لازمة التأكيد على البديهي لتصويره مهدداً بسبب جدال، ولو فارغ، أو لجعله مهدداً فعلياً. 
فالذي يخاف على الحرية في لحظة خلاف - وهذا مقطع من خارج السياق، وبالتالي من لزومه- هو نفسه الذي يسلمها، وبسرعة، إلى أقرب عدو لها في لحظة حب للتوفيق. كوميدي أن الحريصين على التذكير بمواد "شرعة حقوق الإنسان"، في إثر أي تنازع أو إشتباك، هم أنفسهم الذين يطلبون من المطيحين بها حمايتها، لأنها، وفي حسبانهم، هشة، لا يمكن تنفيذها سوى بتطبيق عكسها. فبذلك، لا يصون "الحق في التعبير" سوى المُخرِّس!
منطلق الحديث عن مقابلة الرحباني أمر مغاير، وهو الفيديو الذي انتشر ذات يوم إنتخابي لنواف الموسوي ملوحاً بالكوفية بين أعلام "حزب الله"، وراقصاً على إيقاع أغنية، والجمهور حوله يلتقطه بعدسات الهواتف. سجل هذا الفيديو أن الحزب إياه، شرع في اختبار منطق جديد  هنا وهناك، أو بالأحرى فحصه قبل الإنتقال الشامل إليه ربما. وهو منطق مفاده: انتباه جمهور المتفرجين متوزع، يجب جذبه بأداء ترفيهي، أن يُقدّم له عرض حي لرقصة أحد النواب على سبيل المثال.

برفورمانس جسدي يكسر المشهد المألوف. وهكذا، وبالإستناد إلى إيديولوجيا التجاوز هذه، من المتاح أن يكون محط العيون والكاميرات، وبالتالي، أن يحشد الأصوات لحزبه أكثر. وهكذا، يطيح النقد الذي لطالما جرى توجيهه إلى هذا الحزب بالإرتكاز على كونه لاغياً لأجساد أعضائه، فها هو أحد مسؤوليه يهتز ويصفق ويدعو إلى الإنخراط في الإحتفاء.

وهكذا، أيضاً، يتلبنن الحزب، بحيث أنه، وعلى نحو باقي الأحزاب، يصدر فيديوهات لمسؤوليه متجاوزين صورهم الدارجة، أكان في حاضرهم، أو في ماضيهم، كما في فيديو الأمين العام حسن نصرالله وهو يلعب كرة القدم، من أجل إنجاز ميديويته السياسية على أكمل وجه.

لا يمكن مشاهدة إطلالة الرحباني على قناة "المنار" سوى من هذه الناحية، ناحية اختبار حزب الله لمنطقه الجديد، وتلبنُنه، ليس في ساحة قرية من القرى، بل في التلفزيون. فلا بد أن تكون الشاشة الصغيرة حقلاً لإختبار ذلك المنطق، ولهذا تحتاج إلى شخصية تنفذه على أساس إيديولجيته نفسها، أي التجاوز لكسر المشهد المألوف. أين يجد التلفزيون الأصفر هذه الشخصية التنفيذية سوى في جريدته، "الأخبار" التي ومع زعمها أنها غيره، ترفعه وسيطها الأعلى. وهي التي كانت قد فتحت صفحتها لتلك الشخصية، لكي تعهد لها بما يسمى "عمقها"، الذي تشكله من جمل وكلمات وخواطر، تحجب انعدامَها المعنوي باعتبارها الشائع: إنها ألغاز!

هذه الشخصية هي زياد الرحباني. لكن التلفزيون الأصفر، عندما يستقبله آتياً من صحيفته، لا يهمه عمقه، ولا يهمه تاريخه، وحتى لا يهمه موقف أمّه فيروز، من قائده نصرالله، ولا تهمه آراؤه من هذا أو ذاك. يهم التلفزيون الأصفر شأناً بعينه، وهو "عبقرية" الرحباني، ليس باعتبارها دراية موسيقية، بل ضرباً من "الجنون" الذي سرعان ما تظهر الحاجة منه، أي أنه يُضحك ويسلّي. 

باختصار، التلفزيون الأصفر يستضيف الرحباني لكي يكون مرفِّههاً، وهو الذي كان ذات يوم الساخر الدائم من النظام اللبناني بنسخته القديمة، قبل أن يتحول إلى ملهاة يساريي هذا النظام، ليساريي دويلته ودولته، بحيث يستدعونه في وقت انصرافهم من ضغط امتثالهم لكي يركز "خيارهم". فبفعل وجوده، يظنون، وبطريقة وهمية، أنهم ما زالوا ضد ذلك النظام، ما زالوا أولئك الذين يقفون مع الحركة الوطنية في مواجهة اليمين الإنعزالي و"لُبنانه". 

استقبل تلفزيون المنار "عبقري" اليسار اللبناني، كاشفاً عن كونه "مجنونه". وذلك، لكي يشكل فقرته الترفيهية. فطوال المقابلة، وقبل أن يدور الكلام فيها حتى، كان عماد مرمل يجهد في ادعاء أنه يضحك، "يكبس على نفسه"، بحسب العبارة الرائعة، رغم أن كل ما قاله الرحباني ليس فكاهياً البتة.

كما كان مرمل يحاول التعامل مع الرحباني من دون أن يجعله يختبر المنطق الإعلامي الجديد لمحطته بطريقة تلقائية وفورية. فمرةً، يتعاطى معه كأنه نجيب حنكش، ومرةً مثل شوشو، إلا أن الرحباني قفز عن هذين الدورين اللذين لم يعرف كيف يؤديهما، وتخطاهما إلى دور ثالث، اكتمل وبان في نهاية إطلالته: أن يكون صانع سكووب في القناة الصفراء.. كيف؟ ليس بقوله أنه يعد لمسرحية، بل بتلفظه بشتيمة على الهواء مباشرة.

فبهذه الشتيمة، ينفذ الرحباني المطلوب منه، ينفذه دفعةً واحدةً، بحيث أنه أول من يمرر لفظة نابية على تلفزيون "حزب الله"، الذي، وعلى إثره، يختبر تجاوزه، ويستكمل كسره لمشهده المألوف، الذي بدأ مع الجلبة المسموعة التي يحدثها الكادر الإعدادي في الاستديو "لايف"، وانتهى بالشتيمة التي لم تبدُ مُداهِمة. 

لقد حقق الرحباني بغية التلفزيون، أي اختباره لمنطقه التجاوزي الجديد، الذي لا شك في أنه سيجذب المتفرجين إليه، مثلما أنه سيقدمه كديموقراطي وحر أيضاً. فها هي شتيمة تمر بلا رقابة،. وها هو قد غدا متصلاً بالشارع، الذي ارتفعت فيه، ومنذ مدة، شتيمة أخرى ضده. وها هو يستقبل شخصية تتحدث عما يشبه "المؤامرة" عليها، فيستغرب حديثها ليكون متنوراً أكثر منها، وها هو يترك لهذه الشخصية حرية التعبير، وها هو أيضاً ينقل معاناتها تشجيعاً على دعم الفنانين في البلد. الرحباني، وباطلالته، يضطلع بدمقرطة المنار، ينفذ تخطيها لعرضها. والمنار، باستقبالها له، ولكي يختبر منطقها الإعلامي الجديد، تميط اللثام عن كون "عبقريته" ليست سوى "جنونه"، و"جنونه" ليس سوى استحواذه على ملَكة الترفيه. 

فهناك هشام حداد في "إل.بي.سي"، وعادل كرم في "أم.تي.في"، وزياد الرحباني في "المنار". فعلاً، يا لتعاسة فنان الشعب، يا لتعاسة فنان اليسار!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها