السبت 2018/07/21

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

الحرب على التزوير الإلكتروني

السبت 2018/07/21
الحرب على التزوير الإلكتروني
increase حجم الخط decrease
لا تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي بين وقت وثان عن إعلان مكافحتها الحسابات المزيفة التي تتكاثر في فضائها. هذا ما أقدم عليه "تويتر" خلال الأيام القليلة الماضية، متحدثاً عن كونه يعمد إلى إغلاق تلك الحسابات من أجل الحفاظ على "بيئة آمنة" لمستخدميه. 
فبحسب النبذة عن الحسابات الموقوفة التي سجلها في منصته التدوينية، من نافل القول أن "تويتر"، وأسوةً بالمواقع الأخرى، يرتكز على تقسيم المشتركين بين صحيحين ومزوَّرين، وبالتالي، يحمي الفئة الأولى من الثانية، مبعداً إياها عنها. 

على أن هذه القسمة تشير إلى واحدة أخرى، مفادها التمييز بين تغريد نظيف وآخر وسخ، بين تغريد ملتزم بالقوانين، وآخر متفلت منها، وذلك بالإنطلاق من معيار أساس، وهو إنجاز التفاعل بوصفه "إنشاء للأفكار والمعلومات ومشاركتهما على الفور وبلا قيود".

لكن داعي السعي الحثيث والدائم إلى التخلص من الحسابات المزيفة، ليس سوى تبيانها أن التفاعل إياه ليس "إنشاء ومشاركة"، بل تشابه وإذاعة لبغية واحدة، وهو بغية التحول إلى ذات متفرجة تكون، وفي الحين نفسه، محط نظر، بحيث تحصل على قيمتها من شدة تحولها هذا. وهكذا، تقلب الحسابات المزيفة، التفاعل، رأساً على عقب، إذ تميط اللثام عن كونه محكوماً بتلك البغية وباقتصادها، وبأنها، ولما تنتقل لمتابعة هؤلاء الرؤساء أو هؤلاء الناشطين، لا تخالفه، بل على العكس، تظهره عارياً ومباشراً، أو تظهره، وبعبارات "تويتر"، "على الفور وبلا قيود" أيضاً.

ولا تجري مكافحة الحسابات المزيفة لأنها تبدي التفاعل بمثابة تفعيل لبغية واحدة. بل لأنها، وفي السياق نفسه، تنجح في تحقيق آثاره، التي لا تفضي سوى إلى تكريس السابق عليه. فمثلاً، لا تؤدي تلك الحسابات إلى زيادة رواج دونالد ترامب فحسب. بل أنها، وبتفاعلها، تشير إلى أن الرواج، أكان صحيحاً أو مزوراً، هو الحَكَم في مجال السياسة.

وهكذا، تبرز الحسابات المزيفة أن التفاعل، ولما يرتكز على دلالته الشائعة، لا يكون سبيلاً إلى التغيير، بل يكون سبيلاً إلى "الحفاظ على البيئة الآمنة" لتزايده وتكاثره، أي "الحفاظ" على واقعه، الذي يعبر من مجال إلى آخر، حتى يبتلعه بالكامل. الحسابات المزيفة تؤكد أن مسألة التفاعل، وفي لحظة، لا تعود مسألة تغيير، بل قد تتشقلب إلى مسألة قضم وطغيان.

وفي السياق أيضاً، تسجل الحسابات المزيفة أمراً بعينه، وهو أن المزور ليس بعيداً من الصحيح. بل إنهما يتطابقان في انتهائهما إلى إنتاج مشهد تفاعلي واحد، مع فارق أن المزور ينتج المشهد ويبين محركه بوجوده، في حين أن الصحيح ينتجه بلا إبانة لهذا المحرك.

وعلى هذا المنوال، المزور يتصل بصميم المشهد التفاعلي أكثر من الصحيح، يمسك به، ويشغله، لأنه مولود من الصميم ذاته. كما أن المزور، وبسبب اتصاله هذا، هو الأكثر تفاعلاً في المشهد، والأكثر تفاعلاً معه، وبعبارة أخرى، هو المتفاعل الأولي، الذي يدرك أن ذلك المشهد لا يتعامل معه سوى كعدد. 

لقد ألغى "تويتر" ما يزيد على سبعين مليون حساب مزيف، وبهذا، طهّر الفضاء التغريدي منها ليؤكد أنه الآن صار بلا شوائب، وعلى رأسها، شائبة قاطعة، وهي قذارة التفاعل فيه. بحيث أن التفاعل يستمر، لكن هذه المرة، مقونناً بالمطلق، أي مستوياً على صفائه، يعني على تطبيقه لضوابط ومعايير ثابتة.

من هنا، يخبر "تويتر" مشتركيه أنهم، وحين يقدمون على ذلك التطبيق، يقدمون على صون نقاوته، يكونون صحيحين، ولكي يشددوا على صحتهم، يتوجب عليهم أن يكافحوا الحسابات المزيفة معه بواسطة الشكاوى ضدها. على هذا المنوال، يعتقدون أنهم ليسوا مزورين، لكنهم، بالفعل، أو بالتفاعل، كذلك. فالإستخدام الصحيح هو، في مطافه الأول والأخير، استخدام مزور.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها