الجمعة 2018/07/13

آخر تحديث: 17:37 (بيروت)

العهد القوي يرعبه مراهق

الجمعة 2018/07/13
العهد القوي يرعبه مراهق
الدولة، ولما تعلن، باحتجاز مواطنيها، أنها قوية، تريد أن تخفي وضوح وهنها
increase حجم الخط decrease
ذكرت "منظمة العفو الدولية" في تقريرٍ، نشرته منذ يومين، قصة يوسف عبدالله، الذي احتجزته المخابرات العسكرية بسبب تبديله لصورته في "واتسآب"، بصورة نصية تسيء إلى الرئيس ميشال عون و"التيار الوطني الحر". وفي أثناء حديثه عما حدث مع يوسف، يقول والده جورج إنه، وبعد إطلاق سراحه ابنه، شاهد "الرعب في عينيه. (فـ)قد رأى ولدي وسمع أكثر مما يجب. هذا ليس لبنان، وهذا ليس العام 2018".

يصيب جورج في ملاحظته، فأن يجري احتجاز شاب يبلغ من العمر 15 عاماً، ويتعرض لتكبيل اليدين وعصب العينين، وخلال ذلك، يسمع أصوات ضرب وشتائم، فهذا يفضي إلى إرعابه وترهيبه، وأن يجري الأمر إياه معه بسبب رفعه صورة لبروفايله في "واتسآب"، فهذا لا يناسب حصوله في بلاده، ولا في زمنها الراهن. إذ إنه يدل على كونها تتحول إلى دولة أمنية، ومن سماتها الريبة في أي فعل، مهما كان بسيطاً، إن وجدت أنه "يهددها" لمجرد عدم انضباطه في البيان الذي تقدمه عن وضعها، أي أنها قوية، وفي الوقت نفسه، يرتضي مواطنوها قوتها هذه، وبالتالي ثمة إجماع "كلّي" على قوتها، مثلما هناك ولاء لها. هذا ما تريد إبانته، وهذا ما تريد نفي المخالف له، ولو كان ضئيلاً.

على أن هذه الدولة، وعلى أساس احتجازها لعبدالله، ولأغياره الكثر، توضح معنى قوتها، مؤكدةً أنها، أولياً، تَسَتّر على وهن ضخم، كما أن مزاولتها ليست سوى هجس بإعتراف مفقود بها. أما طريقة هذه المزاولة فتتصف بالرعونة، بحيث لا تتم سوى وفق منطق متدهور السياسة. وحين توضح الدولة قوتها على هذا النحو، توضح نفسها، بحيث أنها تغدو مجرد جهاز مؤسساتي، يلجأ إلى الأمن لكي يبدد وضوحه، دافعاً إلى إدعاء عكسه، وإلى الإنخراط في هذا الادعاء.

فالدولة، ولما تعلن، باحتجاز مواطنيها، أنها قوية، تريد أن تخفي وضوح وهنها، ووضوح عدم إقرارها بذلك، ووضوح تقهقرها السياسي. تريد أن تخفي انهيارها، الذي ينتجه عدم تمكنها من الحيلولة دون قوتها تلك، ودون فرضها. ريبة الدولة أن يعلم الجميع بما يعيشونه، بما يشعرون به، وهو أنها، وبتقوضها، خلفهم، وأنها الآن "في العام 2018"، يجب أن تلتحق بهم، وليس أن تقبض عليهم.

في كل الأحوال، وبالتوازي مع مسعاها الأمني إلى تقديم بيان قوتها، شرعت في الإنضمام إليهم بإشراكهم في المسعى ذاته عبر تطبيق "عين البوليس" مثلاً. فها هي قد انتقلت صوبهم من أجل مفاوضتهم كي يصيروا شرطتها اللامرئية، بحيث يتواصلون مع بعضهم البعض، أي يتلصصون على بعضهم البعض، من أجلها. التحقت بهم لكي تجنّدهم في صفها، لكي تحضهم على أن يكونوا مُنتجي قوتها، على ألا يكونوا أحراراً سوى في إعادة تسليطها عليهم، وعندما لا يكونون هكذا تضبطهم، تحقق معهم، وتطلب منهم توقيع "تعهدات".

في الواقع، الدولة تلزم هؤلاء بتعهد قوتها، أي رعايتها وصونها. وذلك من خلال التستر على وضوحها، ومن خلال القفز فوق شعورهم بأنها مقوضة وبأنها خلفهم، ومن خلال الإستعاضة عن هذا الشعور بشعور ثانٍ، مؤداه أنهم لا يمكنهم أن يغدوا أحراراً سوى بفعلها ومن أجلها. إنه تعهدها القوي، الذي يرجعهم إلى الحرية. لكنها الحرية التي تدور في زمنها، وليس في زمنهم. في لبنانها، وليس في لبنانهم. وفي النتيجة، الحرية التي تعني حريتها، لا حريتهم.

"هذا ليس لبنان"، صحيح، و"هذا ليس العام 2018"، طبعاً، لأنه إستعادة مملة وفارغة لجانب من جوانب لبنان الستينات. لكن السيء أن استعادته لا تحصل الآن، بل حصلت في بداية التسعينات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها