السبت 2018/06/09

آخر تحديث: 17:59 (بيروت)

محكمة "وردة شامية": "ريا وسكينة" في باب الحارة

السبت 2018/06/09
محكمة "وردة شامية": "ريا وسكينة" في باب الحارة
الثغرات في تطويع القصة لم يؤثر على أصالة مواهب أبطاله
increase حجم الخط decrease
 بدخول مسلسل "وردة شامية" العرض في الاسبوع الأخير، يمكن الحديث عن مميزاته وعيوبه، لا باعتبارها نقداً للمسلسل وحده، بل هي معبّرٍ أصيل عن الدراما السورية ككل.

يحقق المسلسل هذه الأيام نجاحات كبيرة، في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو الأعلى مشاهدة على "يوتيوب" من أي مسلسل سوري آخر، وصار موضوعاً للتداول في "فايسبوك" و"تويتر"، حتى فتح شهية المواقع والبوابات الإخبارية للكتابة عن تفاصيله.

وعلى الرغم من أن المسلسل ليس جديداً، عُرض العام الماضي عرضاً محدوداً على قناة bein drama ثم محدوداً على شاشات هذا العام، لكن "يوتيوب" أحياه بما يفوق التوقعات.

هل هو نجاح مستحق؟

لا جدال هو كذلك، خصوصاً مع أصالة مواهب أبطاله: شكران مرتجى في دور شامية، الشخصية المسيطرة القوية القادرة على ارتكاب أعتى الجرائم وقدرتها على تبريرها أيضاً. سلافة معمار الأخت الأكثر مرحاً والمرتبطة بأختها ارتباطاً جعل من جرائمهما توثيقاً للعلاقة بينهما. سلوم حداد الذي يتفوق على نفسه في دور عاصم الزبال. وسعد ويوسف حداد ونادين تحسين بك كلهم أعطوا للعمل مع كاميرا المخرج تامر إسحاق ألقاً في النوع السوري المهيمن أي "دراما البيئة السورية".

ذلك أن المسلسل للمرة الأولى لا يقدم خيراً خالصاً وشراً خالصاً بشكله الفجّ كما في "باب الحارة" مثلاً. لا يتحول الصراع إلى مشهد كارتوني، وليس ثمة من هوس بالروح السورية الطيبة التي تستطيع أن تغالب الشرور عبر التحليق حول شخصية قيادة ما، علماً أن الشرور قد تكون محتلاً أو ضابطاً متآمراً أو غيره. 

هذه المرة في "وردة شامية" ثمة شخصيات من لحم ودم، فيها الخير والشر، ثم يذهب صناع العمل إلى ما هو أبعد من ذلك بمحاولة "فهم الشر وتبريره" وفهم دوافعه الخيرة.

مع كل عناصر القوة التي تميز المسلسل، تظهر حلقته الأضعف أو سبب عواره الأساسي في النص. ولعل النص هو مشكلة الدراما السورية ككل في هذه الايام.

المسلسل مقتبس عن القصة المصرية الشهيرة "ريا وسكينة" وهي الملحمة الشعبية المأخوذة عن قصة حقيقية، وفتحت شهية صناع السينما والدارما، فصارت فيلماً في عام 1954 من إخراج صلاح أبو سيف، ومسرحية عام 1980 من بطولة شادية وسهير البابلي، وكتاباً لصلاح عيسى "رجال ريا وسكينة" ومنه تحول إلى مسلسل عام 2005 من بطولة عبلة كامل وسمية الخشاب.

الحكاية في المسلسل السوري لم تخرج عن البنية الأساسية لـ"ريا وسكينة" بوجه عام. سيدتان من منطقة شعبية فقيرة، تقتلان في المرة الأولى قريبة لهما يكرهانها، ثم يتحول القتل إلى مهنة وهدف لأغراض نفسية ومادية. 

كل ما قيل عن المقارنة بين المسلسل المصري والسوري هو نوع من العبث، وإلا لجازت المقارنة مثلا بين فيلمي "Seven Samurai" للمخرج الياباني العظيم أكيرا كيراساوا، وفيلم "The Magnificent Seven" لجون ستروجس. ولأن تكييف قصص من ثقافة في ثقافة أخرى أمر معمول به ومعروف، لن تكون هي مشكلة المسلسل بكل تأكيد.

ثمة ترهل كبير في بناء أحداث المسلسل. ثغرات في كيفية تطويع القصة، بالذات في العلاقة بين "الحكمدارية" ووردة وشامية، وطبيعة التحايل الذي تتميز القاتلتان به على كل الجبهات، الحارة ورجال السوق والحكمدارية، مثل علاقة وردة والمعلم رياض بوصفها علاقة غير منطقية، وتصرف فارس كرجل شرطة وغيرها "دون حرق الأحداث لمن لم يشاهد المسلسل". لا يعوض كل ذلك إلا القدرات الكبيرة لأبطال العمل على ملء هذه النقائص بأداءات منضبطة تماماً.

ربما يكون المسلسل خطوة في تحرير الدراما السورية من هوس البطولة الملحمية في بدايات القرن العشرين، وهوس المسلسلات التاريخية، أيضا هو خط جديد تماماً عن الدراما التي تركز على الصراعات الأسرية دون غيرها، وهو ما لم يخل منه المسلسل، لكنه يقدم معطى جديد على العين الخبيرة في البناء السوري الدرامي. وإذا كان المسلسل هو "ريا وسكينة في باب الحارة" فلعله يفتح شهية الصناع إلى التجريب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها