الثلاثاء 2018/06/05

آخر تحديث: 08:08 (بيروت)

مقاربة النظام لثورة حلب.. حقد طبقيّ!

الثلاثاء 2018/06/05
مقاربة النظام لثورة حلب.. حقد طبقيّ!
increase حجم الخط decrease

من المدهش كيف يستثمر النظام السوري، الحقد الطبقي كغريزة بشرية "طبيعية" من أجل لوم الشعب السوري على ثورته ضد الدكتاتورية، وهو في مسلسل "روزنا" الذي تنتجه جهات رسمية، ينطلق من مقولة "ارحموا عزيز قوم ذلّ" ليقدم وجهة نظره المشوهة للحقائق بشأن ما جرى في البلاد منذ العام 2011، وبالتحديد قصة معركة حلب التي كان سقوطها العام 2016 لحظة مفصلية في مشهدية الحرب السورية.

تدور قصة المسلسل حول عائلة ثرية جداً تفقد كل ما لديها بسبب قصف "المعارضة الإرهابية" لمعملهم الوحيد في مدينة حلب قبل أن تنزح إلى العاصمة دمشق وسط سلسلة من الظروف المأساوية، تتمثل بوقوع باسم (رامي أحمر) الابن الأكبر  وشريان الأسرة الاقتصادي الشاب بغيبوبة تستمر أربع سنوات، وتنتهي بـ"تحرير حلب من الإرهاب" ثم مرحلة التعافي من "العجز النصفي" في رمزية بعيدة لانقسام حلب بين شرقية ثائرة وغربية موالية للنظام.

ورغم خلو الأحداث أحياناً من المنطق، والمبالغات في تقديم الكليشيهات الوطنية، إلا أن المسلسل يتبع خطاً متماسكاً لا يحيد عنه، يتمثل في مقارنات دائمة بين الأغنياء والفقراء. فعائلة السيد وفا الذي يلعب دوره الممثل بسام كوسا، عانت من "إرهاب" ثورة الفقراء ناكري الجميل، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها النظام، بأن الثورة في البلاد لم تكن إسلامية، ولو أتى ذلك الاعتراف بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة على الأرجح.

ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في ذكريات العائلة الكثيرة لحياة "العز" في حلب قبل الحرب، ولا يعني ذلك التباهي بالأموال والسفر والمنتجات الأوروبية المستوردة أو البيوت الفخمة، بقدر ما يعني ذكريات "أعمال الخير" والتبرع للفقراء والخدم الذين يعيشون على هامش العائلة المترفة، ثم الشعور بالاشمئزاز من الفقر الذي حل بالعائلة بسبب أولئك الفقراء الذين ثاروا من أجل العدالة الاجتماعية والحرية والديموقراطية، ويتجلى ذلك في حالة باسمة زوجة وفا (سلوى جميل) وعلاقتها مع جيرانها الجدد في دمشق من نازحي دير الزور، الذين يتم تقديمهم على أنهم أشخاص يستحقون حياة الفقر، ومن الطبيعي أن يكونوا لاجئين ومشردين بعكس "سادة حلب" الذين "جار عليهم الزمن".

اللعب على وتر الحقد الطبقي يعتبر طرحاً مثيراً للاهتمام في إعلام النظام ومسلسلاته الدرامية، حيث كانت الثورة السورية منذ عامها الأول مؤامرة خارجية من دول إقليمية وغربية بأدوات تكفيرية. لكن طرح الثورة من زاوية طبقية يجعلها تفقد ما تبقى من جوهرها، كحركة مطالبة بالكرامة، لتصبح مجرد "فورة" قام بها الرعاع والهمج في الأرياف ضد النبلاء والمتحضرين وأسياد نعمتهم.

وفيما يبدو ذلك الكلام سخيفاً بالنسبة للسوريين أو المهتمين بأخبار الحرب، إلا أنه قد يحمل إقناعاً كبيراً بالنسبة لمشاهد عربي محايد أو جمهور واسع ضجر من سماع الأخبار السورية في نشرات الأخبار على مر السنوات، علماً أن أي طرح معادٍ للثورة سيترك أثراً في الأوساط الموالية للنظام، محلياً وإقليمياً من دون شك.

ولإحداث الأثر المطلوب يتم خلق الشفقة أولاً وسط زخم الأحداث المأساوية كانتقال العائلة من منزلها الفخم المستأجر في دمشق نحو منزل مهدم في أطراف العاصمة مع إفلاس العائلة وتهدم بيتها في حلب نهائياً، أو موت الجندي سالم (بلال مارتيني) في ليلة زفافه من رزان (هبة زهرة) وتنقل وفا بين الأعمال "الوضيعة" والتسول في الحديقة وعلاقة العائلة مع عائلات الأغنياء مثل السيدة فرح (جيانا عيد) أو تجار الحرب كبكري (قاسم ملحو) الذي بات مليارديراً بعدما كان خادماً للعائلة في الماضي. ووسط كل هذه العلاقات المتشابكة يتواجد دائماً طرفان متصارعان على المال فقط وسط الحرب السورية.

والحال أن تشويه الحقائق واضح في العمل، فحسب المسلسل كان "الإرهابيون" يحاصرون حلب لسنوات، مع تغييب كامل للمدنيين الذين قتلهم النظام الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة خلال معركة حلب صيف العام 2016، وإلقاء اللوم في كل حادثة على المعارضة، من دون الحديث عن دعوات التجنيد المستمرة وعبارات التخوين بحق اللاجئين خارج سوريا بالقول أنهم شباب فروا من الخدمة العسكرية عندما احتاجتهم سوريا وباتوا يندبون حظهم عبر "فايسبوك" وهم فقراء ومعدمون وأذلاء في الدول الأوروبية ومخيمات اللجوء.

وهنا يستند العمل على تذكر فضائل دولة البعث التي كانت في بداياتها في ستينيات القرن الماضي منحازة "للعمال والفلاحين وصغار الكسبة" وغيرها من التسميات التي يصف بها الفكر البعثي القاعدة الشعبية الريفية التي بنيت عليها الدولة، قبل أن تصبح العام 2011 القاعدة الشعبية للثورة ضده، بعد فقدان تلك الطبقة كثيراً من الامتيازات والمكاسب التي كانت تنالها من الاشتراكية الاقتصادية، منذ أيام قوانين التأميم والإصلاح الزراعي وصولاً الى الخطط المالية القائمة على مركزية الدولة ومجانية الخدمات، وذلك مع تحول النظام السوري مطلع الألفية نحو اقتصاد السوق الاجتماعي والليبرالية الاقتصادية، وما تبعه من تقليص للخدمات في الأرياف التي باتت مناطق مهمشة فقيرة أكثر من أي وقت مضى.

وفيما لا يذكر المسلسل كل تلك التفاصيل بشكل مباشر إلا أنها واضحة في الحوارات المختلفة وانتقاء الشخصيات الثانوية المهمشة المحيطة بعائلة السيد وفا في الماضي والحاضر، وكأن العمل يصبح لسان النظام السوري لمخاطبة السوريين في الأرياف، وأفراد الطبقة الوسطى من الطائفة السنية في المدن تحديداً، من الذين قدم لهم نظام البعث على مر السنين خدمات وامتيازات، بشكل منفصل عن فكرته لحماية الأقليات من المستوى الاقتصادي نفسه كالمسيحيين، ضمن خطاب النظام بعد الثورة، وكأنه يطالب في هذا التوقيت بردّ الجميل عبر "العودة لحضن الوطن" وبالوفاء وبالالتزام بعقد اجتماعي نقضه النظام بنفسه من طرف واحد أصلاً، عبر خلق اقتصاد غير متوازن وسع الفجوة الطبقية إلى حد لا يمكن التحكم به.

في ضوء ذلك، يصبح الحديث عن المستوى الفني في العمل ترفاً أمام زخم الضخ الدعائي، فالمسلسل الذي كتبه جورج عربجي يخرجه العضو في مجلس الشعب السوري عارف الطويل، المشهور بمواقفه التشبيحية للنظام السوري، وتنتجه المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني التابعة لوزارة الإعلام، وأبطاله ليسوا موالين للنظام فقط بل هم جزء منه أيضاً، فتوفيق اسكندر الذي يلعب دوراً مهماً في العمل، على سبيل المثال، تطوع في جيش النظام العام 2014 وساهم في القتال فعلياً قبل أن يتم تكريمه بإعطائه مقعداً في مجلس الشعب السوري أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها