الخميس 2018/06/28

آخر تحديث: 11:44 (بيروت)

قتيل بسبب ألمانيا والبرازيل: لعنة الانقسام اللبناني

الخميس 2018/06/28
قتيل بسبب ألمانيا والبرازيل: لعنة الانقسام اللبناني
الضحية محمد زهر قضى اثر اشكال مع مشجعي ألمانيا الغاضبين في حي السلم
increase حجم الخط decrease
جلد الذات لم يعد ينفع بعد مقتل شاب على يد متهورين اثنين هالتهما خسارة ألمانيا أمام كوريا الشمالية، وفوز البرازيل على صربيا. كانت الدعوات للتهدئة، وللاكتفاء بعبارة Hard Luck، كما هو الحال في الدول غير العربية، أجدى من حفلات الاستفزاز المستمرة منذ انطلاق مباريات كأس العالم في روسيا هذا العام. لكن الشارع الغاضب، لطالما بحث عن ذريعة للإنقسام، لأي سبب، وبالتالي، لا يرى في دعوات التهدئة إلا "تدخلاً في أمور لا تعني الداعين لها". 

التعليقات التي رافقت مقتل الشاب محمد زهر طعناً في منطقة حي السلم في ضاحية بيروت الجنوبية، تمثل استفاقة متأخرة للعنة الاستفزاز على خلفية تشجيع الفرق العالمية في كرة القدم. تبدّل الخطاب خلال خمس ساعات، من خطاب ثأريّ وشامت، الى جلد للذات. "نحن شعب لا نستحق الفرح"، قال أحدهم، وتأسّف آخر للوصول الى نتيجة مشابهة. الجريمة التي ارتكبها مراهق غاضب لخسارة فريق يشجعه، أيقظت اللبنانيين الى حقيقة ان الشعب لا يفصل بين أهوائه وحق الآخر وحريته. ولا يعالج ضغوطه النفسية الا بالقوة. ولا يستكين إلا بإلغاء الآخر. 

والحال ان الجنوح للقتل والإلغاء، بذريعة الغضب، بات سمة اساسية لعقلية مستشرية بلا ضوابط. يقتل اللبناني لأي سبب. يقتل لخلاف على أحقية المرور، ولشجار وقع بين أطفال. يقتل لنزاع عقاري، ولفوز فريق في كرة القدم وخسارة آخر. يقتل لأتفه الاسباب، في ظل غياب المسؤولية الوطنية، وفقدان الانتماء الانساني، وفي ظل بحث دائم عن عدو، وعن ذريعة للقتل. 

تتواصل هذه اللعنة منذ أكثر من 10 سنوات. فأرقام ضحايا القتل العبثي وإطلاق النار، الى ازدياد. لا تنفع الدعوات للاحتكام للقانون، ولا حملات التوعية التي تقودها قوى الأمن الداخلي ومنظمات المجتمع المدني المعنيّة. في الواقع، غياب القصاص العادل والقاسي، يبقي هذه اللعنة على قيد الانتشار. وإذا كانت الدعوات في مواقع التواصل لاعادة تفعيل قانون العقوبة بالاعدام مبالغاً فيها، فإن الدعوات للقصاص القاسي ما دون الاعدام يجب أن تلقى صدى لدى المسؤولين، بالنظر الى ان القصاص سيردع المرتكبين عن الانزلاق الى الجريمة واستسهالها، ويجب أن يطال أيضاً حَمَلة السلاح ومستخدميه، والمستقوين به. 

وغالباً ما لا تقود المشاحنات في مواقع التواصل الاجتماعي سوى الى السباب. لا تستحيل فعلاً إلغائياً ملموساً، لبُعد مسافة الاحتكاك بين الغاضبين. فضلاً عن أن الاستفزاز الالكتروني، يبقى في اطار ضوابط تتسم بالسخرية والنكات، وهي جزء من أدبيات المناكفة في مواقع التواصل الاجتماعي. خلافاً لذلك، تتحول الخلافات في الواقع الى احتكاك مباشر يؤدي الى الصدام ويشرعه. 

بعد خسارة ألمانيا عصر الأربعاء، وفوز البرازيل ليلاً، تصاعدت المناكفات في الاحياء والبلدات والقرى، وانتشرت صورها في مواقع التواصل لتجّسد التوق للانتقام، والشغف بالانقسام. ولعل أبلغ ما ظهر، مقطع فيديو في احدى القرى الجنوبية لجنازة رمزية للمنتخب الالماني، قام بها مشجعو البرازيل، وداعاً لبطل العالم السابق. 

الانقسام هنا، ليس لغة طارئة على أدبيات اللبنانيين الذي ينقسمون على كل شيء. على السياسة، والخيارات الاقليمية، على موتهم وحياتهم جراء الأزمات البيئية المتزايدة، على مصالحهم الاقتصادية، والتبعية للزعماء، على الأندية الرياضية، التي يفترض أن توحدهم ضمن اطار تشجيع ديموقراطي وتمتعهم بأدائها. وذلك في غياب عنصر وطني جامع، قد يكون منتخباً رياضياً يشارك في المونديال، أو فريق كرة سلة يحقق الانجازات الآن ولا يلقى أي تشجيع من اللبنانيين. 

قُتل مشجع عبثياً مساء أمس الاربعاء. واللبنانيون الآخرون في خطر. فهم تحت رحمة الغاضبين، والتراخي بالقصاص. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها