الجمعة 2018/06/22

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

تطبيق "عين البوليس": قبض المجتمع على نفسه

الجمعة 2018/06/22
تطبيق "عين البوليس": قبض المجتمع على نفسه
الإدارات الرسمية لا تريد أن يمضي المواطنون إلى ذمّها في السوشيال ميديا، بل الحديث معها في الخفاء
increase حجم الخط decrease
بمعية وزارة الإعلام اللبنانية، وعلى إثر إطلاقها لتطبيق "eye-police"، من الممكن اليوم لأي مواطن أن يغدو شرطياً. فما أن يشاهد أمامه أمراً مشبوهاً، وشبهته متعلقة بالتعدي على القانون، حتى يخبر عنه، كتابةً أو تصويراً، إلى الجهة الرسمية عبر وسيط محدد، وهو الوكالة الوطنية للإعلام، التي تستقبل "شكواه" قبل أن تحولها إلى المؤسسة المعنية بها.
هكذا، وفي نتيجة التطبيق، لا يعود المواطن موضوع للمراقبة، التي يزاولها جسم أمني منفصل عنه، ويدعى البوليس، بل يصير فاعلاً في هذه المراقبة، بحيث أنه يتصل بذلك الجسم، ويبسط أمنه على كل شأن من شؤون عيشه اليومي. فهو، مثلاً، لا يراقب السير، ولا يلاحق مخالفات البناء، بل إنه شرطي شامل، وأي وضع ملتبس الشرعية مقابله يجب التعاطي معه كوضع أمني يهدده. ومن هنا، يصير الأمن، على مختلف أنواعه ودرجاته، هو مؤلف المجال العام وجوه، حيث "الكل" يراقب "الكل"، وينتظر إقدامه على أي عمل مخل، حتى يبلغ عنه.

بفعل ذلك، يصح القول أن المجتمع الذي ينتمي "الكل" إليه سيتغير شيئاً فشيئاً إلى "بارانوي" بامتياز، أو بالأحرى ستجد "بارانويته" شكلاً واضحاً لها، إذ أن المواطنين سيشكون في بعضهم البعض، وسيعتقدون أن أي واحد منهم هو متهم حتى يثبت العكس من خلال الإلتزام بالقانون، الذي لا يعرفه مسبقاً، وإذا عرفه، فعلى حالته المُتجاوَزة سلفاً. تالياً، هذا المتهم هو متهم لا يقدر على إثبات العكس من تلقائه، بل بالمصادفة، فمن دون أن يعي، يخضع للقانون، ومن دون أن يدرك، يتخطاه.

هذا، من جهة المواطن الذي تجري مراقبته، المتهم، أما، المواطن الذي يراقب، الشرطي، المُتَهِم، فمن جهته أيضاً، لا يعرف القانون مسبقاً، بل، وأيضاً، على حالته المُتجاوزة سلفاً، وعلى هذا النحو، حين يراقب الإخلال بالقانون، فمن الممكن أن يقع عليه أينما كان، وذلك، بلا أن يتأكد منه.

لذلك، القانون، الذي "يطبقه"، هو ليس قانوناً متفقاً عليه، من قِبله ومن قِبل غيره، وليس القانون الذي يحدد واجباته ويحفظ حقوقه، بل أنه قانون آخر، أي قانون التطبيق، الذي يستلزم منه أن يكون عين الشرطة التي تراقب، والذي يستلزم منه أن يجعل كل شيء قابلاً للمراقبة وقابلاً للإبلاغ عنه.

في هذا السياق بالذات، من الممكن تفسير الجوائز التي تنوي "الوكالة الوطنية" توزيعها على المواطنين الذين "سيبلغون عن مخالفات جدية". إذ أن هذه الجوائز، أو التزاحم في الطريق إليها تحديداً، هو الذي يجعلهم يتنافسون على التحول إلى شرطة، وبالتالي، إلى تحقيق قانون التطبيق: كلما راقبتم بعضكم البعض، تفوزون بجائزة أفضل شرطي! 

طبعاً، المواطن-الشرطي الأفضل، وعدا عن كونه المستخدم الأكثر استعمالاً للتطبيق، هو الذي يعرف أن القانون الذي يسعى إلى تطبيقه مجهول مسبقاً ومفتت سلفاً، لكنه، وبمراقبته، ينكر ذلك، مستبدلاً حالة القانون هذه بحالة أخرى، مؤداها أن المؤسسات والإدارات الرسمية ليست على بينة من الإخلال به. 

المواطن-الشرطي هو الذي يدعي أنه، ومن خلال مراقبته لغيره، أن ثمة قانون يجب السهر عليه، وهذا ليس صحيحاً، وأن الدوائر الشرعية لا يمكنها حماية القانون إياه بمجمله بلا اشراك مواطنيها في ذلك. فالمشكلة بحسبها ليست أن القانون الذي تزعم حمايته هو قانون ميت، بل  أن عدد الذين يحرسونه قليل، ولا بد من زيادته: لكي لا يموت قانوننا، نزيد عدد الشرطة. فعلياً، جعل كل المواطنين شرطة، فهذا دليل على أن القانون لا يتعرض للإخلال، أو لا يتعرض للإحتضار، بل أنه جثة. 

من الدواعي التي أدت إلى الترويج للتطبيق هي أن المؤسسات والإدارات الرسمية لا تريد أن يمضي المواطنون إلى ذمّها في مواقع التواصل الاجتماعي، بل أن يستعيضوا عن هذا الذم بالحديث معها في الخفاء، كما لو أنها تقول لهم: لا داعي للكشف عن مشكلاتي جهاراً، وأمام الجميع، لنتكلم عنها سراً، وبيننا، ولكم أن تنكروا وجودها علانيةً!

على أساس منطقها هذا، لا بد لهم أن يراعوا وضعها، ويشاركوا معها، ومن خلال مراقبة بعضهم البعض، في نفي كونها لا تحمي أي قانون، لا لأنها متخاذلة، بل لأن هذا القانون لا يكاد يحضر حتى يبدو ميتاً، وحتى يظهر بجثته. فالقانون الوحيد، الذي يطبقه هؤلاء، هو قانون التطبيق، الذي يجعلهم فاعلين في البارانويا، ويجعلهم متَهَمين ومُتَهِمين، ويجعلهم شرطة عندما لا تُراقِب، تُراقَب، لدرجة ترصدها وإلقائها القبض على نفسها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها