الأربعاء 2018/06/20

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

أول امرأة حَكَم في مونديال 2018؟ .. كلا!

الأربعاء 2018/06/20
أول امرأة حَكَم في مونديال 2018؟ .. كلا!
فرناندا كولومبو كانت قد تعرضت لموجة من التمييز الجندري ضدها
increase حجم الخط decrease
"في سابقة تاريخية، اختارت الفيفا أول حَكَم امرأة لتشارك في نهائيات كأس العالم 2018، حيث ستنضم حكَم الراية البرازيلية، فرناندا كولومبو، إلى فريق تحكيم إحدى المباريات في مونديال روسيا، والتي ستعلن عنها الفيفا في وقت لاحق بعد أن يتم تحديدها".


بحماسة شديدة استقبل الكثير من عشاق كرة القدم حول العالم هذا "الخبر"، الذي شكّل بالنسبة إليهم "قفزة نوعية" و"خرقاً للجدار الذكوري" و"انتصاراً للمرأة في عالم الكرة الساحرة"، فيما تم الاحتفاء بالحسناء البرازيلية في العديد من وسائل الاعلام في أميركا الجنوبية التي وصفتها بـ"الحكَم الأكثر إثارة في العالم"، مشيدة بجمالها ورشاقتها، ومعلنة ترقب مشاهدتها ومتابعة الحدث الاستثنائي في تاريخ المونديال.

لكن "الخبر" الذي نشرته صحف ومواقع برازيلية وأخرى محلية محدودة الانتشار، ومن ثم نقله وتداوله صحافيون وتم نشره في وسائل إعلام عربية ولبنانية، تبيّن أنه خبر كاذب انطلق من شائعات لا أساس من الصحة، إذ أنّ الحكَم البرازيلية المذكورة كانت قد أعلنت في شباط/فبراير2017 اعتزالها مهنة التحكيم وابتعادها عن عالم كرة القدم، وصرّحت في حينه أن أولوياتها تنصّب في المرحلة المقبلة على تأليف الكتب والعمل في الصحافة الرياضية، وذلك بعدما ألفت كتاباً جاري الاعداد لنشره بعنوان "Exposed in a More Playful Way"، كما أنها اليوم تمارس عملها كمحللة رياضية في أحد البرامج التلفزيونية في البرازيل.

البحث في قائمة الحكّام الذين اعتمدتهم "فيفا" كمشاركين في مونديال روسيا، لم يظهر فيه اسم فرناندا كولومبو، في وقت سابق أو حالي على الإطلاق. إذ إن الحكم الوحيد المعتمد من البرزايل هو رجل اسمه ساندرو ريتشي، تبيّن لاحقاً في تقرير نشرته الثلاثاء صحيفة "لوباريسيان" الفرنسية، أنه خطيب فرناندا كولومبو، وأنه يمثل الرابط الوحيد بينها وبين "الفيفا" والمونديال.

هذا اللغط وصل صداه إلى "الفيفا"، التي أوضحت ضمن تصريح نقلته صحيفة "إيل إمبولسو" الفنزويلية، أنّ كولومبو غير معتمدة في مونديال 2018، بل أنها غير معتمدة أساساً من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيما أوضحت إذاعة "سيندرويدو" الفنزويلية أن مصدر الإشاعة كان رسالة عبر "الواتس اب"، انتشرت بداية بين المواطنين البرازيليين، وسرعان ما امتدت إلى كافة أنحاء العالم.

الخبر الكاذب الذي أفرح كثيرين، كان يمكن أن يكون له وقع مميّز في مونديال 2018 في ما لو كان صحيحاً، إذ كان يمكن لهذه الخطوة أن تشكّل تتويجاً لوعود "فيفا" وسعيها نحو تكريس دور المرأة في عالم كرة القدم، إلى جانب كونه يعبّر عن التقدير لمجهودات المحكِّمات في كرة القدم، اللواتي يبذلن جهداً كبيراً لتخطّي عوائق تفرضها البيئة الذكورية المحيطة باللعبة الأكثر شعبية في العالم، بمن فيهم كولومبو نفسها، التي تعرضت خلال سنوات عملها كحكَم مساعد في البرازيل إلى عاصفة من التمييز الجندري ضدّها، حيث سعى حكام ومدربون ولاعبون إلى تشويه إنجازاتها في أكثر من حدث رياضي محلي، حتى وصل الأمر بأحدهم للصراخ في وجهها: "أنت مجرد امرأة مثيرة، اذهبي للعمل في مجلة بلاي بوي، واتركي مجال كرة القدم لأهلها".

اختيار أي من المُحكّمات الكفوءات للتحكيم في مونديال قطر 2022 أو ما يليه سيكون، في حال تحققه، رسالة قوية من "فيفا" بوجه كل من يشكك بقدرات وأهلية النساء للاضطاع بهذا الدور. كما أنه يشكّل إنصافاً للكثير من الشكاوى الصادرة من المحكّمات المعروفات بجديتهن، واللواتي لطالما تحدثن عن تجذر التمييز الجندري وتغلغله في مجالات كرة القدم بشكل يفوق بأضعاف التمييز المجتمعي خارج اللعبة، إذ أن أي هفوة أو خطأ كان يتم ارتكابه من قبلهن خلال المباريات يُسجّل عليهن كما لو أنه وصمة عار. في حين أن أخطاءً أفدح وأكبر يرتكبها الحكام الذكور، تلاقي من يجد لها الأعذار والمبررات.

ويظهر التمييز بشكل أوضح في دول تصاعدت المطالبات فيها بمنع النساء من التحكيم باعتبار أن "وجودهن لا يساهم بتطوير مجال التحكيم وقواعد اللعبة، بل يشوّهها ويتسبب بتراجعها"، وهو الأمر الذي لحظته دراسة نشرت مؤخراً، كشفت فيها منظمة "النساء في كرة القدم" أن التمييز الجنسي ضد النساء والتحرش بهن في مجال كرة القدم ارتفع بنسبة 400%، وسجلت النسبة الأكبر لهذه التعديات في مواقع التواصل. فيما اشارت تقارير إلى أن التغطية الإعلامية تكاد تغيب عن موضوع الحكمات وانجازاتهن، تماهياً مع الفكر العام السائد الذي يكرس نمطية تهميشهن والتعاطي معهن من مبدأ أن كرة القدم ليس مكانك، وفي كثير من الأحيان تُطلق الأحكام حول الحكمات بداية من جنسهن ومن ثم شكلهن الخارجي، على ما تقول جاني فرامبتون، المدربة في مجال التحكيم في الاتحاد البريطاني لكرة القدم.

ولطالما شغل أسلوب التحكيم بين الرجال والنساء حيّزاً من نقاشات كثيرة اثيرت حول هذا الموضوع، أجمعت على أنه من الناحية النظرية فإنّ الرجال والنساء يلعبن اللعبة نفسها ضمن القواعد نفسها، وبحجم الملعب نفسه وعدد اللاعبين، ما يختلف فقط هو الأسلوب. وتعتبر ساندي هانت، الحكم السابقة في "فيفا"، أن "الرجال عنيفون، يوبخونك ويصرخون في وجهك، في حين أن النساء يتحدثن إلى اللاعب ضمن الاحترام لخصوصية اللحظة ومدى حساسيتها، ما يجعل خطابهن أقل عدوانية وأكثر تفهماً، وذلك عكس الحكم الرجل الذي يبدو استفزازياً في كثير من الأوقات". ووفقاً لهانت فإن الاحصاءات تشير إلى أن عدد الأخطاء يكون أقل حين تكون الحكم امرأة، فالنساء يتروين فيما الرجال يتسرّعن باتخاذ الأحكام، ما يجعلهن أكثر أهلية في كثير من الأحيان من الرجال لقيادة المباريات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها