الإثنين 2018/06/18

آخر تحديث: 18:35 (بيروت)

حارس مصر وحارس العلمانية: معركة الخمور

الإثنين 2018/06/18
حارس مصر وحارس العلمانية: معركة الخمور
هجوم على محمد الشناوي لرفضه جائزة تقدمها شركة خمور
increase حجم الخط decrease
كان يكفي المصريون المرارة التي أصابتهم بعد مباراتهم ضد أوروغواي في كأس العالم، إثر الهزيمة الخاطفة في الدقائق الأخيرة وصمود فاجأ أكثر المتفائلين بمستوى المنتخب المصري. 

كان يكفيهم السعادة بميلاد حارس مرمى كبير هو محمد الشناوي لم يهتز أمام كافاني وسواريز، وهما اثنان من أفضل مهاجمي العالم، بل وتصدى لانفرادات انتزعت الصيحات من الجماهير المصرية، وحصل على إثرها على أفضل لاعب في المباراة.. لكن خالد منتصر، الطبيب والكاتب والمذيع المهووس بالعلمانية وصورة مصر قبل ما يسميه "الغزو الوهابي"، كان له رأي آخر.

والواقعة التي فجرت حسه العلماني كانت في رفض الحارس محمد الشناوي جائزة مقدمة من إحدى شركات الخمور الراعية للبطولة باعتباره أفضل لاعب في المباراة، وهي الواقعة التي كان من الممكن أن تمر بحقيقتها كما هي، من دون أن تصير "حدثاً" كبيراً يغطي على المباراة نفسها وأداء الشناوي الكبير. انطلقت تدوينات خالد منتصر وتغريداته تهاجم اللاعب بضراوة.
كتب منتصر: "مرة حارس مرمى دولي رفض جائزة مكتوب عليها اسم شركة خمور، انتظاراً وطمعاً في جنة تغريه وتعده بأنهار الخمور". وكتب: "زي ما رفضت الجائزة لازم ترفض الاحتراف القائم علي الفلوس الحرام". وكتب أيضاً: "بعد التألق لازم فاصل من العك والخلط والدروشة، الشناوي يرفض الجائزة لأنها مقدمة من شركة خمور!"

كانت تغريدات خالد منتصر خط الانطلاق لنار توقع هو حدوثها بالطبع. فهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لهجوم كاسح من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، واستهدفت منتصر ومنطقه وهجومه الذي رآه كثيرون غير مبرر ومترصد، وهو ما يفتح شهية منتصر للكلام والدفاع عن مظلومية. ما جعله يغير أرض معركته من "تويتر" إلى "فايسبوك"، ليكتب تدوينة طويلة يبرر فيها رأيه ويدافع عن نفسه أمام الهجوم العاتي.

كتب منتصر في حسابه الشخصي في "فايسبوك": "أعرف أن كلامي موجع للكسالى فكرياً، ومنطقي مستفز لمن يعانون من كساح العقل لأنني أناقش طريقة تفكير وليس تصرفات شخصية، هو حر يقبلها أو يرفضها، ولكني أناقش ما هو أخطر من القبول أو الرفض الشخصي، أناقش منطق ومنهج التفكير في ما وراء هذا الرفض. هذا المنهج في التفكير سلفي وهابي، ولو ارتدى أصحابه الأديداس أو النايكي، ولو أتيحت له الفرصة سيقول امنع الخمور في الفنادق لأننا دولة إسلامية ولتذهب السياحة إلى الجحيم، سيقول طبقوا الحد على المصري الذي يشرب الخمر في الغردقة أو شرم، سيقول أغلقوا مصنع الأهرام للمشروبات وامنعوا الاستيراد للخمور، وطبقوا حد الجلد على السائح الذي يتناول الخمر. هؤلاء الذين أصابتهم هستيريا من تعليقي كان مصدرها هو أن داخل كل واحد منهم داعشي صغير، ما إن تفتح له القمقم ويتمكن، سيخرج ويطبق كل ما ذكرته من جلد ومصادرة وتدخل في شؤون السائح وغير السائح، وهنا ستكون الحرية التي يطالب بها للشناوي، هو حر في الرفض وهذا حقه، وأنا حر في انتقاد منهج التفكير وهذا حقي.. أعرف أن استخدام العقل مزعج لكنه ممتع لمن يريد التقدم والسعادة، ودخول نادي الحضارة، ليس بالخمر ستدخلون الحضارة، ولكن بالحرية التي تركت الاختيار، وقننت المخاطر، وعاقبت السكر، وسوء الاستخدام، ولم تقمع أو تجلد أو تمارس وصاية، والحرية التي تنتسب لحضارة عرفت أن تحريم الرق والجواري وزواج الأطفال أهم من تحريم الخمر".

كان لزاماً أن يوضع كلام خالد منتصر كاملاً لتبيان منطقه من دون حذف أو اختصار كما كان يتهم كل من يقترب من كلامه، ليكون جائزاً الرد على تعسفه الفكري، وضيق أفقه. من الممكن أن يبدأ الرد بما فعله اللاعب المغربي أمين حارث في مباراة المغرب ضد إيران ورفضه لنفس الجائزة لنفس السبب. وما قدمته مصراوي في تحقيق ذكي عن لاعبين مسلمين عرب وغير عرب رفضوا جوائز من شركات خمور منهم محمد صلاح وأحمد حجازي لاعبا المنتخب المصري، ويايا توريه وفرانك ريبيري وغيرهم. بل إن الفيفا نفسها إحتراماً "لتقاليد الدين الإسلامي" رفعت اسم الشركة الراعية من مباريات يلعبها مسلمون احتراماً لمعتقداتهم.

لا يرى منتصر العلمانية إلا من باب واحد فقط وهو كل ما يستفز المسلمين والإسلام، كل ما ينتقص من احترام عقائدهم فهو معه ومهاجمه. ولو أن لاعباً هندوسياً، مثلاً، رفض جائزة من شركة لحوم لما اعتبرها تعدياً على الحرية، لأن ما يوجع خالد منتصر هو هيمنة الإسلام، وهي صحيحة بالطبع وسلطوية وعنيفة إلى أقصى درجة، لكن علمانيته تفرض عليه إن كان يتمتع بمنطق أن يحترم معتقدات الآخرين، مسلم وغير مسلم على السواء، كونه يسقط موقفاً فردياً على مشكلة يعانيها المجتمع. فهو يتعسف في تأويل شيء بغرض إثارة ضجة لا أكثر. 

هل خالد منتصر المدافع عن حرية الاعتقاد، يتمتع بالشجاعة الكافية ليهاجم الدولة المصرية وتوجهاتها الأخلاقية ونزوعها المحافظ السلطوي في وأد أي اختلاف فكري واعتبار أي اختلاف عقائدي "ازدراء أديان"؟

نعم كتب منتصر من قبل مدافعاً عن أحمد ناجي، وناقداً لقانون ازدراء الأديان المصري، لكن علمانيته هذه لا تعرف كيف تضع الحدود الفارقة بين التربص والنقد الحقيقي والواقعي لما هو أولى وأهم. وإذا كان موقفه عنيفاً من اللاعب دون احترام معتقداته، فعليه أن يهاجم المنظومة الاجتماعية والسلطوية التي أنتجت فكرا يؤدي إلى "دواعش صغيرة" كما ادعى في تدوينته الطويلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها