السبت 2018/06/16

آخر تحديث: 18:17 (بيروت)

كوميديا "سياسي ع مآسي": الوجه الدموي للنظام السوري

السبت 2018/06/16
كوميديا "سياسي ع مآسي": الوجه الدموي للنظام السوري
مقدما البرنامج مريانا حداد وحمادة سليم
increase حجم الخط decrease
لا يدري المتابع لبرنامج "سياسي ع مآسي" الذي تبثه قناة "الفضائية السورية" الرسمية، إن كان يشاهد ممثلين هواة أم إعلاميين هزليين أم مجرمين محترفين . فالبرنامج "الساخر" لا يحاول تلميع صورة النظام السوري، بل يظهرها على حقيقتها الدموية من دون رتوش أو مواربة، ويقدم خطاباً قائماً على الكراهية والعنصرية  بلغة تتنوع بين الشتائم والتهديدات، بحق أعدائه وفق نظرية "المؤامرة الكونية".

ومنذ مطلع شهر رمضان، تنافس أصحاب البرنامج في التشبيح، على المعارضين واللاجئين والدول الأجنبية "الشريرة" وحتى على الموالين أنفسهم في حال كان انتماؤهم للدولة الأسدية أقل من المطلوب. فيما يتخطى أداء مقدميه مثل  مريانا حداد وحمادة سليم، مفهوم الرداءة وثقل الظل بمراحل كثيرة، خصوصاً عند اللعب على الكلمات لخلق شتيمة لا تضحك سوى أصحابها، أو الاتجاه نحو العبارات البلدية الشعبية الممتزجة بعبارات "مثقفة" للإيحاء بأن أصحابها يدركون معنى ما يتحدثون به، وتحديداً في نهاية كل فقرة عندما يتخلى البرنامج عن السخرية لتقديم الخلاصة المجردة للجمهور. 

والحال أن البرنامج هو المحاولة الرسمية لتقديم "برنامج ساخر" أكثر حداثة من برامج "الستاند أب كوميدي" التي فشلت محطات النظام في استنساخها منذ العام 2011، كما أنه رد فج على البرامج المماثلة في محطات معارضة مثل "أورينت" و"تلفزيون سوريا". 

لكن البرنامج الذي لا تتجاوز مدته 15 دقيقة يومياً، يأتي سمجاً وثقيل الظل وبعيداً من مقومات النجاح، سواء في خطابه الخشبي المباشر أو الأغاني التي يقدمها ضمن "اسكيتشات" تستند على العنصرية البعثية/الأسدية، المبتهجة مثلاً بتنقية سوريا من المعارضين والعملاء والخونة. 

إلى ذلك، يذكر البرنامج بما ينشره المراسلون الميدانيون التابعون للنظام والإعلاميون الأكثر تشبيحاً، مثل كنانة علوش وشادي حلوة، في مواقع التواصل الاجتماعي. ويكاد خطابه يتطابق مع مقاطع الفيديو التي يبثها مراسل قناة "العالم" الإيرانية في سوريا، حسين مرتضى، المشهور بلغته الاستفزازية القائمة على الشماتة والسخرية والسباب. وعليه يصبح الإعلاميون المعارضون، من السوريين والعرب، عملاء مأجورين، ويطلق عليهم البرنامج لقب "مكنسة السفارة"، ويصبح الربيع العربي "ربيعاً كارتونياً" سقط أمام "أسود سورية" بالتاء المربوطة، وهي جزء من التسميات الشعبية التي تتخطى الوقاحة نحو السباب عند استهداف أشخاص محددين، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وابنته إيفانكا، أو شخصيات بارزة في المعارضة السورية.

تشكل هذه اللغة أدوات البرنامج الأساسية لصياغة خطاب الكراهية المحرض على القتل والعنف في معرض الاحتفال بانتصار النظام في حرب مستمرة منذ 8 سنوات، فضلاً عن تبرير سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها النظام وحلفاؤه ضد المدنيين بوصفهم إرهابيين أو أبناء إرهابيين في أحسن تقدير، ويجري ذلك كله من دون لف ودوران ولا إنكار للجرائم، ضمن إطار فائض القوة التي يشعر بها النظام على المستوى السياسي والعسكري، ولا يهم هنا أن تكون التبريرات مقنعة، بقدر أهمية خلق سياق ما لمعنى الحرب والانتصار، وتقديمه لجمهور موال أقل حماسة لسياق البروباغندا التقليدية.

والحال إن هذا النوع من البرامج المستفزة، جزء من حرب نفسية ضد الآخر المهزوم، كما أنها جزء من سياق دعائي لجمهور الممانعة نفسه، عبر تضخيم الانتصار من أجل تخفيف حدة الاستياء الشعبي في البيئة الموالية بعد طول أمد الحرب وارتفاع أعداد الضحايا والمصابين. وبالتالي يصبح البرنامج بشتائمه وتباهيه المفرط بالنصر والقوة، ضرورة إعلامية "تحقق هدفاً من أهداف الحرب على الإرهاب".

ويفترض بالبرامج النقدية الساخرة أن تكون قوية وجريئة في طروحاتها من دون خوف لان السخرية هي أعلى درجات النقد وأكثرها تأثيراً، إلا أنها تصبح فناً مشوهاً عندما تتم صناعتها على يد نظام شمولي كالنظام السوري، وما يثير السخرية حقاً أن الفنون الساخرة وجدت أصلاً لتحدي الأنظمة الشمولية بتحويل أيديولوجيتها إلى نكتة تجردها من أقوى أسلحتها، وهي هالة الرهبة والجبروت.

وهكذا، يسعى البرنامج إلى خلق تلك الرهبة مجدداً لدى السوريين، الذين كسروا حاجز الخوف في ثورتهم العام 2011، وهي نقطة لا تتعلق فقط بالمعارضين، بل تمتد إلى الموالين الذين يتحدثون باستمرار في مواقع التواصل عن هيبة الدولة المفقودة وضرورة استرجاعها. ولا يبدو أن البرنامج المخابراتي ينجح في تحقيق ذلك، لأن إظهاره لحقيقة النظام الأمنية المرعبة تخلق نفوراً فورياً لدى المشاهدين على اختلافاتهم السياسية، ويتجلى ذلك في أرقام المتابعة الضئيلة للبرنامج في "فايسبوك" و"يوتيوب". المدهش فقط أن جمهور الموالين، بعد كل ذلك، مازال يؤمن بوجود وجه مختلف للنظام ويأمل بإصلاحه!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها