الأحد 2018/06/10

آخر تحديث: 19:08 (بيروت)

"منتخب الديوك" الفرنسي.. نموذج جمهوره وإشكالياته

الأحد 2018/06/10
"منتخب الديوك" الفرنسي.. نموذج جمهوره وإشكالياته
تخطى النقاش حول قضية المهاجرين وتوحد الجمهور حول المنتخب الوطني
increase حجم الخط decrease
شغف الرأي العام الفرنسي لمتابعة "فريق الديوك"، لا يُحصر بالرغبة الدفينة في حصد لقب ثان لفرنسا. فمنذ العام 1998 تعدت وظيفة هذا المنتخب حدود الملاعب، إذ تحول إلى نموذج مصغر للمجتمع الفرنسي يعكس تنوعه، كما تناقضاته. 
 تتويج فرنسا بطلةً للعالم عام 1998 لم يكن مجرد حدث رياضي. فالمنتخب الذي حصد اللقب للمرة الأولى في تاريخه ضم لاعبين من أصول متعددة، وإعتُبِرَ هذا النسيج مؤشراً على نجاح التعايش المشترك في فرنسا المتعددة الأعراق، والتعاضد الذي تجسد في المنتخب الوطني هو خير دليل على نجاح النموذج الفرنسي في دمج المهاجرين وتحويلهم إلى قيمة مضافة لا سيما وأن "الإخاء" هي إحدى الركائز التي قامت عليها فرنسا ما بعد الثورة.   



بيد أن رئيس حزب الجبهة الوطنية (اليميني المتطرف) جان ماري لوبان لم يفتخر بمنتخب بلاده،يومها معللاً الأمر بأن اللاعبين لم يرددوا النشيد الفرنسي، إما عمداً أو جهلاً منهم بكلماته، مقارناً بينهم وبين باقي المنتخبات وكأن اللاعبين ذوي الأصول الأجنبية غير مؤهلين لتمثيل فرنسا.
 
بعد ثلاث سنوات على أبرز حدث رياضي عرفته فرنسا، كان قدر الكرة الفرنسية أن تحمل وزراً سياسياً. ففي العام 2001 أقيمت مباراة ودية بين المنتخبين الفرنسي والجزائري كخطوة على درب المصالحة بين الشعبين، إلا آن المشجعين الجزائريين اجتاحوا أرض الملعب قبل انتهاء المباراة ما استدعى إيقافها. صحيحٌ أن ما جرى كان فعلاً عفوياً لا يضمر أي نوايا سيئة، إلا أن صورة الملعب التي تناقلتها وسائل الإعلام تركت انطباعاً عن الهوة التي لا زالت تفصل بين "الأم الحنون" و"بلد المليون شهيد"، فـ 132 سنة من الاستعمار لا تُمحى بـ 90 دقيقة. من جانب آخر، كان اجتياح الملعب مؤشراً إضافياً على أزمة الضواحي الآخذة بالنمو. 


  
أُريد لهذه المباراة أن تحمل رسالة سياسية لتبقى محفورة في الذاكرة وهذا ما جرى ولو بطريقة مغايرة، فكان من الطبيعي أن تكون نتائجها عرضةً للمزايدة والاستغلال السياسيين. ففي العام التالي، كانت فرنسا على موعد مع انتخابات رئاسية، فاختار برونو ميغريه، ذو التوجه اليميني المتطرف، إعلان ترشحه من أمام ملعب "ستاد دو فرانس" الذي استضاف المباراة الودية، في إشارة إلى نيته إتباع سياسة حازمة تجاه المهاجرين كما التشدد في ما يتعلق بالأمن الداخلي، أي الربط بصورة شبه مباشرة بين الهجرة من جهة والجريمة والاخلال بالنظام من جهة أخرى. 
  
كأس العالم 2010 أعاد الديوك إلى قلب الجدل السياسي، فأمام عدسات الكاميرات رفض لاعبو المنتخب المشاركة في حصة تدريبية بعد فصل اللاعب نيكولا أنيلكا من المنتخب على خلفية شتمه للمدرب ريمون دومينيك، وهو ما كان تتويجاً لأكبر أزمة عرفها المنتخب الفرنسي.
 
كان يمكن لهذه الأزمة أن تُعالج في اطارها الرياضي لولا وصف وزيرة الرياضة روزلين باشلو اللاعبين الذين حرضوا على هذا التمرد بالقادة (Caïds)، وهو تعبيرٌ يُستًخدم عادةً لوصف زعماء العصابات في الضواحي، كما انتقدت باشلو افتقاد المدرب إلى السلطة اللازمة لضبط لاعبيه، متهمةً بذلك اللاعبين من أصول أجنبية، حصراً، بالتحريض على الإضراب وبث الفوضى داخل المنتخب وهو انعكاس لصورة نمطية مفادها أن المهاجرين سبب الاضطرابات في البلاد مقابل عجز الدولة عن ضبط الأمور.  

 

في السنوات التالية ظل المنتخب الفرنسي محط جدل لا سيما مع تولي لوران بلون تدريب الديوك.  من منع الأطعمة "الحلال" إلى توزيع كلمات النشيد على اللاعبين وفرض قيود على ملبسهم حتى لا يكون مظهرهم الخارجي شبيهاً بسكان الضواحي، سعى بلون إلى فرض صورة نمطية للاعب الفرنسي. تفاصيل شكلية بعيدة كل البعد عن الشأن الرياضي، لا بل شكلت امتداداً لخطاب سياسي يعتبر التنوع العرقي والديني "تهديداً للهوية الفرنسية".

 قضية بنزيما وفالبيونا كانت هي الأخرى محطة توقف عندها الرأي العام الفرنسي. ففي العام 2015 إتُهِم كريم بنزيما بالمشاركة في ابتزاز زميله ماتيو فالبيونا بشريط إباحي. بنزيما اعترف بتدخله في هذه القضية بطلب من أحد أصدقاء طفولته كان قد لجأ إليه المحتالون الذين كان الشريط بحوزتهم، لكنه أكد انه لم يفعل أكثر من نقل الرسالة وإسداء بعض النصائح لزميله فالبيونا.

هذه القضية طرحت علامات استفهام حول بيئة الضواحي التي نشأ فيها بنزيما والعلاقة التي تربطه بأصدقاء الطفولة. فسلط الإعلام الضوء على مسألة اختلاف القيم الاجتماعية وأن تصرف بنزيما هذا مرده إلى عدم انسلاخه عن البيئة التي ترعرع فيها، وكأن الضواحي الفرنسية عالمٌ موازٍ تحكمه نظمٌ ومفاهيم مختلفة ومن يأتي من هذه الخلفية الاجتماعية سيظل أسيرها مدى العمر، أي بصورة غير مباشرة لن يكون مؤهلا للاندماج مع "الفرنسيين" إذ لن يتشارك وإياهم القيم ذاتها.

في الآونة الأخيرة، بدا أن المنتخب الفرنسي، بجيله الجديد، تصالح مع جمهوره ولم يعد عرضة للجدل. إلا أن حجم الاحتقان الاجتماعي والأمني بات في السنوات الثلاث الأخيرة معمداً بالدم. فالاعتداءات الإرهابية المتتالية كانت زيتا إنصب على نار ملفات الهجرة والاندماج والهوية الوطنية، ما يعني أنه فيما لو تحول المنتخب الفرنسي من جديد إلى مادة اشكالية، فالإعلام والرأي العام سيتلقفها بحدة غير مسبوقة.

فهل سيستعيد منتخب 2018 مجد أسلافه ويكون عنواناً للوحدة، أم يتحول إلى مادة انقسام تضاف إلى سابقاتها؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها