الأربعاء 2018/05/09

آخر تحديث: 18:57 (بيروت)

نسختان من كريستينا أغيليرا.. وأزمة هوية

الأربعاء 2018/05/09
نسختان من كريستينا أغيليرا.. وأزمة هوية
increase حجم الخط decrease
منذ سنوات، تروج النجمة العالمية كريستينا أغيليرا لحقبتها الفنية الجديدة، بعد عقد كامل من الزمن عانت فيه من التخبط والتراجع في مستوى النجاحات، ومع طرحها أول أغنية منفردة من ألبومها الجديد "Liberation" الذي سيصدر في الخامس عشر من حزيران/يونيو المقبل، تبدو تلك الحقبة ضبابية وغير مفهومة تماماً من ناحية نوعية الموسيقى وما يمكن كريستينا توقعه منها، وهل سيكون الألبوم بالتالي ولادة جديدة كلياً بعيداً عن موسيقا البوب أو إحياء لها بالعودة للجذور؟


لا تقدم الأغنية الجديدة "Accelerate" أي مؤشر عن ماهية الألبوم المرتقب المترافق مع إطلالات إعلامية مكثفة لأغيليرا التي تتحدث عن افتقادها للحرية وبحثها عن نفسها في الموسيقى الجديدة التي عملت عليها طوال السنوات الست الماضية، بعد إطلاق ألبومها الأخير "Lotus" الذي كان أقل ألبوماتها مبيعاً لأنه لم يقدم قيماً موسيقية جديدة، رغم جودة الموسيقى والأغاني فيه، ما جعله في النهاية بعيداً من المغامرة المطلوبة في عالم الموسيقى المعاصرة.


ورغم جمال الأغنية وفرادتها مع اختلافها عن أي أغنية حالية في السوق وفي أرشيف أغيليرا على حد سواء، إلا أنها لا تعطي أغيليرا، صاحبة أقوى صوت في العالم في العقدين الأخيرين، المساحة للبروز والإبهار. فمن جهة تخلو الأغنية من أي نوتات خارقة أو لمحات صوتية مذهلة على طريقة أغيليرا المعتادة، ومن جهة أخرى تتقاسم أغيليرا الأداء مع مغنيي الراب تاي دولا ساين وتو تشاينز، ما يجعل وقت أغيليرا محدوداً.

المشكلة في "Accelerate" أنها أغنية منفردة تمهد للألبوم المرتقب، ما يفترض أنها تحمل الثقل الأهم موسيقياً وقيمياً في الألبوم ككل، لكن الأغنية تبدو أقل بكثير من إنتاجات أغيليرا المماثلة مثل "Dirty" و"Genie in a Bottle" و"Ain't No Other Man"، وبالتالي لا بد من التساؤل حول السبب الذي دفع أغيليرا لاختيار الأغنية بالتحديد، وهو ما قد يتوضح عند طرح الألبوم قريباً، وربما تكون الأغنية تحفيزاً لذات كريتسينا القديمة كي تنطلق وتتحرر، أي أنها تمهيد للحرية الآتية وليست تجسيداً لها.


تمزج الأغنية بين البوب والهيب هوب، ومستوحاة من أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة، مع تأثر واضح بموسيقى الفرقة الشهيرة "ذا بلاد آيد بيز"، ويمكن تلمس مستويين متصارعين في الأغنية، الأول بطيء والآخر سريع، يضبطهما صوت أغيليرا البارع، وهنا تبدو الأغنية مذهلة في مستوى الصخب الذي تقدمه في حيز محدود من الهدوء، ما يجعل الأغنية غريبة عند سماعها للمرة الأولى.

الصراع نفسه يمتد من الموسيقى نحو فيديو الأغنية، ويمكن تلمس نسختين من أغيليرا، الأولى هي الفتاة الهادئة البريئة من دون ماكياج مع تصوير بطيء باللونين الأبيض والأسود، والثاني هي المرأة الناضجة الجامحة الشبقة الشقية، في لقطات صاخبة تتعرى فيها أغيليرا وتغمر نفسها بالعسل وتلعق الشاشة عدة مرات في لقطات أقرب لفيلم "بورنو" حالم وأنثوي. لكنّ بساطة الفيديو وتجريديته تبقيانه بعيداً من كليبات سابقة أيقونية مثل "Dirty" التي تعتبر واحدة من أكثر أغنياتها جنسانية، أو حتى "Fighter" من ناحية التجريد الفني والجمالي. ولا يمكن الحكم إن كانت أغيليرا تشعر بالندم وتحن للماضي الجامح أم تتخلى عنه عبر الفيديو أيضاً.


وربما تحاول أغيليرا أن تعيد للأذهان صورتها المراهقة عندما كانت صوتاً يدافع عن حقوق النساء وحريتهن الجنسية بالتحديد، وهو ما يتجلى في صورة صدرها المغطى بشعارات حركة "فيمن" النسوية الشهيرة، وكذلك الإشارات التي تؤديها بفمها طوال الألبوم، حيث يصبح الفم واللسان أداتين للتعبير وأداة للمتعة الجنسية في الوقت نفسه، لكن ذلك بالتحديد لا يشكل حقبة جديدة مثلما هو معلن، بل استدعاء لتجاربها السابقة في أغنيات مثل "Can't hold us down"، ومن هنا بالتحديد تأتي الحيرة والضبابية.


والحال أن أزمة الهوية لدى أغيليرا تعود لعقد كامل من الزمن، عندما طرحت ألبومها الأكثر إثارة للجدل "بيونيك" والذي فشل في إحداث الثورة الموسيقية المطلوبة في عالم البوب، ليس لأنه كان مفتقراً لعوامل النجاح بل لأنه كان متقدماً جداً من الناحية التقنية، وأسس لاحقاً لنجاحات نجمات أصغر سناً مثل ليدي غاغا ومايلي سايرس وكيشا وحتى ريهانا بعد العام 2010، ما ترك أغيليرا تعترف بالفشل وتلغي جولتها العالمية قبل 20 يوماً فقط من انطلاقها، لتعيد حساباتها، وتبحث عن هويتها الحقيقية كفنانة معاصرة.

النوستالجيا نفسها تشكل عاملاً لولادة جديدة لبريتني سبيرز، وهي الغريمة الأبدية لأغيليرا منذ سنوات الطفولة المبكرة، لكن سبيرز نجحت في استثمار نجاحها القديم والانتقال من الحضيض الفني العام 2007 بعد مشاكل الإدمان والمشاكل العائلية الكثيرة، لتقديم صورة جديدة عنها تشكل أساس الموسيقا التي تقدمها، فتطرح نفسها كامرأة قوية تكافح الصعاب للوصول إلى النجاح، بعد انتهاء سنوات المراهقة الحالمة، وهو ما لا تستطيع أغيليرا القيام به لأن صورتها القديمة كانت تتمثل أصلاً في المرأة القوية المتحررة التي تدافع عن نفسها وعن المستضعفين، بصوتها وفنها.

ويمكن القول أن صوت أغيليرا تغلب عليها، ففشلها يعود لطبيعة صوتها الذي يشكل عامل نجاحها الأول في سنوات مراهقتها عندما تصدرت قوائم الموسيقا العالمية بأغنيات ثورية مثل "Genie in a Bottle" العام 1999، وألبوماتها الثلاثة الأولى التي قدمت فيها قيماً موسيقية وحياتية حولتها مبكرة من مجرد مغنية بوب ونجمة صاعدة مثل غريمتها الأبدية بريتني سبيرز، إلى ديفا قبل الأوان. بعد ذلك باتت أغيليرا مع تقدمها في العمر تستميت في أداء النوتات الخارقة وتقديم الجديد كي تلامس ذلك النجاح القديم وتفشل، لسبب بسيط أنها لم تعد ذات مجددة من ناحية القيم التي شكلت أسطورتها الأولى.

ولا يمكن الحديث عن أغيليرا من دون عامل النوستالجيا، الجميل بالنسبة لجمهورها والضار بها كمغنية معاصرة، فمازالت أغنية "Beautiful" أفضل ما قدمت أغيليرا طوال مسيرتها، وهي الأغنية التي تتحدث عن قبول الذات وحب النفس وحقوق المثليين والمتحولين جنسياً وحرية النساء والمعوقين، والتي ترافقت بفيديو كليب لم يكن أحد يجرأ على تقديم شبيه له في تلك الفترة التي كانت الموسيقا فيها تحاول دائماً عدم تقديم صدمات بصرية كبيرة وتحديداً في الولايات المتحدة حيث يوجد نسبة كبيرة من الجمهور المحافظ التي يجب إرضاؤها.


في ضوء ذلك تبرز نقطتان يجب على ألبوم "Liberation" الإجابة عنهما بصدق، الأولى من هي كريستينا أغيليرا اليوم، والثانية ما الذي تعنيه للعالم في 2018؟ ومن دون إجابات صادقة وتجديد ثوري لن يكون هناك ولادة جديدة لـ"صوت الجيل" التي تستحق مكانة أفضل في عالم الموسيقى اليوم قياساً لطبيعة صوتها وتاريخها الحافل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها