الإثنين 2018/05/07

آخر تحديث: 18:38 (بيروت)

دولة المرشد

الإثنين 2018/05/07
دولة المرشد
increase حجم الخط decrease
لا يتعدي التعبير عن الاحباط من نتائج الانتخابات اللبنانية، كونه جزءاً من التقاليد اللبنانية بالاعتراض قولاً، والاحجام فعلاً عن ممارسة التغيير. ما يُبثّ في مواقع التواصل، ليس حقيقياً، ولا يتخطى موجات الاعتراض الفردية بعد اصدام النتائج بالامنيات. 
فما أفرزته الانتخابات، هو الواقع الحقيقي الذي تدور فيه سياسة البلد، ويعبر عن الغالبية الصامتة في مواقع التواصل، والمجاهرة في الواقع بانتماء سياسي تقليدي، تم التعبير عنه في صناديق الاقتراع على شكل "جحافل بشرية" و"رفوف من الناخبين". 

ومنعاً للتعميم، فإن المعترضين افتراضياً، لا يمثلون جميع المبادرين لتحقيق تغيير صعب، إن لم يكن مستحيلاً، في وقت تثبت تدني نسبة الاقتراع عما كانت عليه في السنوات السابقة، تجسيداً لفكرة قيلت في الانتخابات البلدية السابقة وقبلها في مظاهرات الحراك المدني، مفادها: الطامحون للتغيير يقودون ثورات في "فايسبوك"، ولا يمتلكون محفز النزول للشارع منعاً لأن يفقدوا شغف التأفف.

لكن ادعاء الاحباط، لا ينطلق من العجز عن التغيير فقط، وهو الواقع الذي ثبت للمرة الثانية أنه لم تتمدد عدواه من دائرة بيروت الأولى بعد رغم وجود الفرص لاستدعاء الاصوات المكتومة غير المحزبة وغير المؤدلجة. بل ينطلق من نتيجة أخرى أفرزتها الانتخابات، تفيد بأن "حزب الله" وحلفاءه، إستعادوا حيثية تدنّت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتهشّمت إثر أحداث 7 ايار 2008، وكان الرد عليهما في العامين 2005 و2009. اليوم تبدل المشهد، وانتشرت احتفالات "النصر" بالاعلام الصفراء والخضراء من بيروت، وصولاً الى أقصى البقاع الشمالي شرقاً، وأقصى الجنوب، مروراً بصيدا والبقاع الغربي وزحلة. 

بسهولة، يمكن أن يلتقط رواد مواقع التواصل توصيفاً للواقع مثل الحديث عن "انتقال من الدويلة إلى دولة المرشد"، أو سخرية تقول بأن "الله اذا ترشح ضد الثنائي في الجنوب سيخسر في الانتخابات"، أو نكتة عن اعتماد "مصلى" في الطابق السفلي من مبنى البرلمان، و"حسينية" في الطبقة الثانية! تلك التعليقات، في الواقع، ليست الا جزءاً من هواجس أسست لها شعارات انتخابية قبل الانتخابات، ولن تختفي رواسبها قبل تشكيل الحكومة العتيدة.

على أن البحث في النتائج، لا يأخذ في الاعتبار مسبباتها. تُخطئ القوى المعترضة على "حزب الله"، منذ العام 2005، بالمبالغة في الخصومة إعلامياً، من غير النظر في الموجبات السياسية التي تفرض "التشارك" في الحكومة، والاتفاق على ملفات أخرى، بينها التنسيق وحوارات تخفيض التوتر، واتفاقات فضّ الاشتباكات بهدف "حماية البلد". 

نجحت تلك الشعارات في حقبة 2005 و2009، وكان يمكن أن تنجح لو جرت الانتخابات في العام 2013 قبل تمديد المجلس النيابي لنفسه، إثر الاستقالة من حكومة الرئيس سعد الحريري وإسقاطها، وإثر التدخل في الحرب السورية قبل وصول "داعش" الى عمق لبنان لتنفيذ تفجيرات. لكن تلك الشعارات سقطت حكماً، بعد التسوية الرئاسية، وتشكيل حكومة تشاركية. وبالتالي، أفقدت جمهور خصوم الحزب الثقة بخيارات اقصائه، وبآمال كسره، أو بدفعه باتجاه التقوقع ضمن البيئة الشيعية. 

وعلى النقيض، جيّرت تلك الشعارات والحروب المفتعلة، "الجحافل الناخبة" في البقاع والجنوب لصالح "حماية الوجود". فما سُمع قبل الانتخابات من هجوم إلكتروني على وزير الخارجية جبران باسيل، وتجييره لصالح الخوف من وصوله بكتلة "تلغي الآخر" و"تهشم التنوع والعيش المشترك"، كان فعالاً لحشد آلاف الناخبين الذين توجسوا أيضاً، على ضفة "المستقبل"، جراء نعتهم بـ"الأوباش"، أو إقصائهم من العاصمة. 

إزاء هذه الوقائع، لن تكون السخرية من "انتصار" الحزب وحلفائه مفاجئة، كذلك لن تكون الاحتفالات في الجهة المقابلة خارج سياق إعلان النصر الذي تم التعبير عنه بوسم #صوتك_هز_الدني.. وهو أبلغ احتفال الكتروني يكرس واقعاً جديداً، يتظهر ملامحه في المفاوضات على تشكيل الحكومة العتيدة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها