الأحد 2018/05/06

آخر تحديث: 17:45 (بيروت)

إعلام الانتخابات: حزبي مُجنّد أو مشكلجي مثير!

الأحد 2018/05/06
إعلام الانتخابات: حزبي مُجنّد أو مشكلجي مثير!
استكملت "إن بي إن" و"المنار" الترويج بأن العملية الانتخابية هي "استفتاء كبير" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يجلس جبران باسيل، وزير خارجية لبنان ورئيس "التيار الوطني الحر"، في ساعات الصباح الأولى، بين المندوبين والمعاونين في مكتب التيار في البترون. يتناول منقوشة ويحتسي الشاي أمام عدسات الكاميرا، محاولاً أن يعطي الانطباع بأنه مسترخٍ ومرتاح لوضعه. تُلاحقه كاميرا "أو تي في" كظله من زاوية إلى أخرى، فيما تُصرّ مراسلة "إل بي سي" على استصراحه، فيأتيها الجواب برفع المنقوشة في وجهها وهزّ الرأس إلى أعلى، الأمر الذي استدعى استنفار مراسلة قناته البرتقالية، التي لم تعر أهمية لكونها على الهواء مباشرة، فالتفتت إلى زميلتها في "إل بي سي" قائلة: "يعني مصرّين تجرّوه عالكلام؟".


المشهد الصباحي حمل معاني ومؤشرات عديدة لناحية أسلوب وأداء تغطية "أو تي في"، والتي انسحبت على ساعات اليوم الانتخابي الطويل، حيث بدا مراسلو القناة أشبه بمراسلين عسكريين مجندين على الأرض في صفوف التيار وحده. وكأن الانتخابات محصورة في مرشحي التيار وناخبيه، إذ خصصت ساعات من البث المباشر لنقل جولات باسيل بين المناطق، ولم تقطعها إلا لنقل لحظات اقتراع مرشحي التيار وسياسييه ضمن ما أسمته "العرس الديموقراطي الانتخابي الكبير" الذي تتخلله معارك "إثبات وجود" في أكثر من منطقة، ما جعل تغطية القناة أحادية الجانب في جزء كبير منها. خصوصاً أنها لم توفّر فرصة لحث الناخبين على التصويت لـ"الاصلاح والتغيير" وانتخاب "الصح" و"اللائحة الأقوى والأكثر تمثيلاً"، مستكملة هجومها على الخصوم الذين لا ترى مكاناً لهم في "العهد القوي".

الاصطفاف الكبير الذي عكسه أداء "أو تي في" لم يكن استثنائياً أو خارجاً على المسار الذي اتبعته القناة منذ بدء الحملات الانتخابية قبل أسابيع، وهو ما عكسه أيضاً أداء بعض وسائل الإعلام الحزبية على رأسها قناتي "المنار" و"إن بي إن" اللتين استكملتا الترويج لمرشحي "لائحة الوفاء والأمل"، مع محاولة جرّ الناخبين نحو مراكز الاقتراع بتذكيرهم بين فينة وأخرى بأهمية الالتزام بالخط والوفاء للنهج، خصوصاً في بعلبك-الهرمل. إذ انصبّ تركيز "المنار" على تلك المنطقة التي "ترسم المعركة الحامية فيها صورة المرحلة المقبلة" و"صاحبة الأثر الأكبر بترجمة الصراع السياسي في الاستحقاق الانتخابي"، على حد وصف مراسل القناة. كما لم يفت القناة التذكير، من خلال استصراح الناخبين والمرشحين، بأن تصويتهم هو إعلان للوفاء وأن الامتناع عنه يُعتبر خذلاناً للخط المقاوم، وذلك بموزاة تركيزها مع قناة "إن بي إن" على أن العملية الانتخابية هي "استفتاء كبير" و"ليس مجرد إجراء ديموقراطي انتخابي"، و"المفترض أن يلبي الناخبون هذا النداء".

تلفزيون "المستقبل" تولى الترويج لسعد الحريري، مع إيلاء الأهمية الخاصة للمناطق التي يخوض فيها "تيار المستقبل" معارك حامية، في حين حاولت "إم تي في" في بداية الأمر أن تضفي الطابع الحيادي على تغطيتها وأداءها، إلا أنّ محاولاتها ذهبت أدراج الرياح لحظة وصول النائب السابق ميشال المر إلى مركز الاقتراع للإدلاء بصوته برفقة نجله الوزير السابق الياس المر. فما كان من مراسلة القناة إلا أن تلقفته وأمطرته بأسئلة عن رأيه في العملية الانتخابية في المتن، وهل يعتبرها معركة وفاء لشخصه، وماذا يتوجه بالقول لمن يشكك بحصوله على الحاصل الانتخابي، وذلك للترويج بأنّ المر يخوض المعركة ليحصد ما زرعه على مدى السنوات الطوال، من خدمات وعلاقات قريبة مع المواطنين، وقد أتى اليوم الذي يتوقع منه مبادلته الوفاء. كما لم تفت القناة إثارة مسألة الرشى الانتخابية التي تدفع للمجنسين السوريين.

"الجديد" لم تحد عن عادتها بالتحليق خارج السرب وإثبات اختلافها عن القنوات الأخرى، كونها تعتبر نفسها المحطة الأقرب من الجمهور، من دون أن تتمكّن من إخفاء الطابع التجاري لتغطياتها، والذي استكملت فيه القناة هجومها الممتد منذ أشهر على الرئيس سعد الحريري. كما أن مراسليها صبوا اهتمامهم في اليوم الانتخابي على التنقيب عن أي أثر لإشكال أو تلاسن أو تدافع ليحاولوا تضخيمه ونقله كما لو أنه خرق أمني خطير، خصوصاً من خلال تغطية الإشكال الذي حصل في الطريق الجديدة والذي بدا أسلوب تغطيته محاولة للاصطياد في الماء العكر وصبّ الزيت على النار. فبدت المبالغة وطريقة النقل كأنها تشهد حدثاً مماثلاً لبوسطة عين الرمانة. وظهر ذلك من خلال المراسلة التي تحدثت عما يشبه الاشتباك بين مناصري "المستقبل" و"حزب الله"، تخلله إطلاق نار بسبب تمزيق صورة للسيد حسن نصرالله، فما كان من شبان المنطقة إلا المسارعة لانتقاد أسلوبها والصراخ في وجهها واتهامها بمحاولة إذكاء حادث صغير وتحويله إلى فتنة قد تودي بالبلد بمبالغتها، مصححين معلوماتها بأن ما جرى لا يعدو التلاسُن العابر. كما أن مراسل "الجديد" في الضنية اتبع أسلوب زميلته، فحاول إظهار إشكال بسيط حصل هناك على أنه أمر جلل، فجاءه الرد من أبناء المنطقة بأن ما حصل لا يعدو صراخاً وسوء تفاهم بين أشخاص يعتبرون بعضهم البعض كعائلة واحدة، ولا يوجد ما يستحق تضخيمه أو إلقاء الضوء عليه.

وفي حين بدت تغطية "ال بي سي" الأكثر حياداً، مقارنة ببقية المحطات، إلا أنها، ولو بنسبة أقل، اتجهت مثل زميلاتها نحو خرق الصمت الانتخابي، الذي لا يُستثنى أحد من وسائل الإعلام من الانجرار إليه، خصوصاً الإعلام الحزبي، الذي جهدت أطرافه بكامل قوتها للترويج والحشد من خلال وسائل إعلامها لأكبر عدد من الأصوات، ضاربة عرض الحائط بالقانون والمعايير الانتخابية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها