السبت 2018/05/05

آخر تحديث: 13:22 (بيروت)

عن السيدة التي أكلت الطعام الإنتخابي مرتين

السبت 2018/05/05
عن السيدة التي أكلت الطعام الإنتخابي مرتين
increase حجم الخط decrease
ثمة سيدة طرابلسية، تناولت الغداء في احتفال لتيار المستقبل في مدينتها، وبعد ساعات، تناولت العشاء في احتفال نظمته "لائحة العزم"، أي لائحة نجيب ميقاتي، في المدينة إياها. إلتُقط للسيدة صورتين خلال المناسبتين، وقد جرى تداولهما في مواقع التواصل الاجتماعي، جنباً إلى جنب، للإشارة الساخرة إلى أن صاحبتهما، وبفعلها المعوي، خالفت قانون المناصرة، بحيث لا يمكنها، وعلى إثره، أن تؤيد التيار، وتشارك في نشاطه. وبالتالي، تعلن انتخابها لمرشحيه، وفي الوقت ذاته، تحذو الحذو نفسه حيال لائحة مشكلة ضده، أي "لائحة العزم" بقيادة ميقاتي. وجد البعض، الذي يتوزع على المستقبل والعزم، وكل من جهته، أن السيدة "بلا مبادئ"، وما يهمها هو أن تذهب إلى أي تجمعٍ، تتخلله طاولة طعام، فتجلس خلفها، وتأكل.

ولكن، ليست السيدة، التي لا "مبادئ" لها، بل الإستحقاق الإنتخابي بعينه. إذ أنها، وبمخالفتها قانون المناصرة، أشارت إلى أنه لا يستمد قوته من البرامج التي يجري طرحها في أثنائه، بل من كونه فرصة للأكل، بوصفهما سبيلين متداخلين، أي سبيلاً إلى سد الجوع، وسبيلاً إلى التسلية، بحيث أن الإنجذاب المفرط إليه لا يحصل سوى بتحويله إلى موضوع تفريج. بفعلها، عبّرت السيدة عن واقع ذلك الإستحقاق، عن كونه وقت، لا للإستماع إلى الخطبات، أو لقراءة الشعارات، أو لتعقب المشاريع، بل للإستهلاك، لتحقيق حاجة بدايةً، ولتحقيق فرجةً نهايةً.

فبعد الأكل، تصورت "سيلفي" مع ميقاتي، كأن تناولها الطعام هو طريقها إلى الاجتماع بهذا الزعيم، ونيل القيمة الذاتية في ظل مقامه الشخصي. مع الإشارة إلى أن تلك الخطبات، والشعارات، والمشاريع، أي، وبعبارة واحدة، الجلبة الانتخابية لا تشارك سوى في إنتاج الواقع، الذي ظهرته السيدة، فنتيجة الملل الشديد، الذي تخلفه في متتبعها الممتلئ مسبقاً بها، ونتيجة عدم إيصالها سوى إلى إعادة تشغيل الراهن، وليس إلى غيره، لا يمكن تحمل عنفها هذا سوى عبر مرافقة استقبالها بتجنبها، والإلتهام هو شكل من أشكال هذا التجنب.

عندما تنتقل السيدة من مهرجان إلى ثان لتزاول فعلها المعوي، فهذا دليل على أنها شعرت بكون فعاليتها السياسية الوحيدة هي فعالية استهلاكية، "أكلية": مواطنتي تعني أن آكل، فمن خلال الأكل، أستحصل على معنى، والدليل أنني، وبعد إتخامي، أتصور مع ميقاتي!

من هنا، السلطة، بنسختها المتداعية في البلاد، تريد السيدة على هذا النحو، ليس كفقيرةٍ، تستغل حاجتها إلى الطعام، جوعها، من أجل الإستيلاء عليها (الطعام مقابل الصوت الإنتخابي)، فقط، بل، وبالتوازي مع ذلك، كنهمة أيضاً، أي تجد في الأكل، باعتباره ضرباً إستهلاكياً، طريقها إلى أمور متوهمة: أن تكون فاعلة، أن تكون مندمجة في المقدم كواقعة، أي المهرجان، أو الانتخابات بالمجمل، وأنها قريبة من شخص ميقاتي. طبعاً، السيدة تتعامل مع إشهار الولاء كنافل، وبلا طائل، فمبقدورها أن تشهر ولائين متضاربين، معلنةً أن الولاء مجرد شارة على طريقها عند تناولها الفعالية، والواقعة، وشخص الزعيم، أي تناولها طعام ذاتها المعوي والمعنوي.

لقد بينت السيدة أن الإنتخابات مناسبة للإلتهام التفريجي، وهي لا تستطيع أن تتبنى هذا البيان بلا أن تكون مأمورة بسلطته، التي، ومع مطالبتها إياها بصوتها مقابل المأكل والمشرب، تدفعها إلى جعل النهم طريقها الوهمي إلى فعاليتها. إلا أن السيدة، ومع إبانتها هذا، أي تسجيلها لواقع استحقاقنا الوطني، استطاعت، وبالإنخراط فيه، وبدون قرارها، أن تكشف عن كون تعدي التضاربات السياسية بين أطرافه ليس صعباً.

هي، وبتوحيدها المعوي بين المستقبل والعزم، لا تقول إن الإثنين متطابقين، بل أنهما يقومان بالطريقة نفسها لقيام أي سلطة من السلطات المحلية، التي لا داعي للقول إنها تختلف بحسب تطرفها فيها (الموت والكره بدل المأكل عند حزب الله والتيار البرتقالي مثلاً): اغتيال الكرامة، والحض على الإقتناع بانعدام جدواها، أو جدوى التساؤل عنها حتى، لا سيما بعد تحويلها إلى مجرد شعار بائت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها