الجمعة 2018/05/04

آخر تحديث: 14:54 (بيروت)

تسليع الصوت التفضيلي.. واستهلاك المقدس

الجمعة 2018/05/04
تسليع الصوت التفضيلي.. واستهلاك المقدس
في رعاية القديسين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
من خلال المشهد الانتخابي، يمكن رصد إشارات كيف أن عالم الاستهلاك ينغمس في اللغة السياسية ويستغل لحظتها وتعابيرها، وكيف أن بعض السياسيين والناخبين يستنجدون باللغة الدينية والرموز المقدسة من أجل ان تكون رافعة تخفف من هول السقوط المحتمل، أو جذب الناخبين.

فقبل الطوفان الميديائي الانتخابي في لبنان، حين أرادت وزارة الداخلية اللبنانية، الترويج للقانون الإنتخابي النسبي وتبسيطه وتسهيل فهمه، نشرت في اللوحات الاعلانية صورة لبوظة تجمع عدداً من النكهات (حليب، فريز، ليمون وشوكولا..) منبّهة الناس الى عدم قدرتهم في القانون الجديد على "التشكيل" في اختيار المرشحين أو اللوائح في الانتخابات المرتقبة. كما نشرت صورة أخرى لبوظة ذات نكهة واحدة، لتشرح للناخب أن عليه اختيار لائحة واحدة وصوت تفضيلي واحد، وإلا تعتبر الورقة باطلة. لم تجد الوزارة الا طريقة بيع البوظة وتعابيرها كمرآة يمكن من خلالها فهم القانون الانتخابي الذي تقام على اساسه انتخابات 2018. فالناخب، أمام الشروط الجديدة، لا يمكنه تشكيل لائحة من تلقاء نفسه، وعليه اختيار لائحة واحدة مطبوعة سلفاً من دون تشطيب. والإعلان، وإن كان مفهوماً نسبياً، فقد بدا كنكتة، من دون أن تكون فكرته موفقة أو سريعة التداول. فاللائحة، ولو كانت من لون واحد، فهي من اسماء واتجاهات، لذا بدا الإعلان فكاهة من الفكاهات الانتخابية، فيه نوع من الابتكار، لكنه يفتقد الى اللمعة الحقيقية، بقي فكاهة.

ولم تمض أسابيع على لافتات وزارة الداخلية، حتى بدأت الشركات اللبنانية والصناعية، الاستعانة بتعابير القانون الانتخابي من أجل تسويق منتجاتها، وصار الاستهلاك مرآة التصويت، والتصويت مرآة الاستهلاك. فشركة الدجاج الضخمة "هوا تشيكن"، التي ترفع الشعار الإسلامي "حلال مئة في المئة"، تلقفت موجة الحديث عن "الصوت التفضيلي" لتضع نفسها في هذه الخانة، فصار الفروج يوازي اسم المرشح. انتخبت الشركة نفسها في إعلانها، أو إعلانها ينتخبها ويقدمها للمستهلكين والمتلقين، الذين ما عليهم سوى تصديق اختيارها. وإذا كانت "هوا تشيكن" تضع دجاجها في خانة التفضيلي، فالصور الفايسبوكية الساخرة كثيراً ما تضع الناخبين في صورة القطيع أو الغنم، بينما المرشح في خانة الذئب أو الجزار. واختارت "مزارع تعنايل للألبان والأجبان" الترويج لمنتجاتها بعبارات كليشاوية مثل "لبنان بيجمعنا" و"وصل صوتك" اللتين نطالعهما كثيراً في شعارات لوائح المرشحين للبرلمان أو البلدية... وإذ تحاول شركتا الفروج والألبان، إقناع المستهلكين بمنتجاتهما، بغض النظر عن هويتها، فأحد المعاهد التعليمية، كان أشبه بالفئوي في إعلانه، إذ صوّر معظم مرشحي الثنائي الشيعي على أعمدة الإنارة في طريق المطار مع عبارة "صوتك"، كأنه يعلن ولاءه وهويته الاقتصادية على الملأ.

في المقلب الآخر، كان الاستهلاكي، الميتولوجي الشعبي، والأسطوري، حاضراً في بعض الشعارات السياسية. فعدا "الخرزة الزرقا" المستقبلية والحريرية، التي قيل فيها الكثير من الكلام الساخر والانتقادي في"فايسبوك" وفي التعليقات السياسية والبرامج التلفزيونية، هناك تعابير على لافتات "حزب الله" من نوع: 6 ايار(الانتخابي) يساوي 10 محرم (العاشورائي - الديني)، وهي تأتي في إطار التحشيد والتجييش ضد منتقدي "حزب الله". وبعض المرشحين التابعين للحزب وضعوا على صورهم في البقاع مع عبارة "ثقة السيد"، في اشارة إلى الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، وحضوره في الوعي الجمعي الشيعي. وحين يضع المرشح هذه العبارة، فهو كأنه يضع المقترع أمام أمر واقع، يقول إن ترشحه مُصادَق من السلطة العليا المقدسة، ويذكّر بمصلحة تشخيص النظام في إيران. وعبارة "ثقة السيد" ظهرت بالتزامن مع النقد الذي بدأ يُسمَع لدى بعض الجمهور البعلبكي والبقاعي، وتم توجيهه بقوة إلى نواب "حزب الله" و"حركة أمل"، لتظهير فشلهم في إدارة الانماء ورفع الحرمان عن البقاع الشمالي. ولم يكن أمام الحزب سوى استعمال الأسلحة الثقيلة، التي تبدأ من "دم الشهداء" ولا تنتهي عند اتهام الآخرين بالداعشية أو العمالة للسفارات... هذا من دون أن ننسى شعارات النائب علي عمار، في الضاحية الجنوبية، والتي فيها القليل من السياسية والكثير من الشعارات الدينية والجهادية، كأنه في مواجهة "الشيطان الأكبر" وليس في سباق انتخابي.
 
هكذا اختلط "الحابل بالنابل" في الحملات الانتخابية والإعلانية خلال الأشهر الأخيرة، وصرنا أمام شيء من الهذر، شيء من الاجترار اللفظي، شيء من الكوميديا. تحتل الانتخابات المشهد العام، ومعه الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، من خلال الشعارات واللافتات والصور. وفيها شيء من الفاشية الملطّفة، والاستبدادية غير المُعلَنة، وربما هي مُعلَنة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها