الثلاثاء 2018/05/29

آخر تحديث: 19:26 (بيروت)

مسلسل "فوضى" وحفرة الأرنب المسماة سوريا

الثلاثاء 2018/05/29
مسلسل "فوضى" وحفرة الأرنب المسماة سوريا
increase حجم الخط decrease
لا يمكن التعاطي مع مسلسل "فوضى" نقدياً، باعتباره منتجاً درامياً أو نوعاً من أنواع الفن، بل هو منتج رديء يمزج بين التفاهة البصرية والبروباغندا المباشرة والوعظ الأخلاقي، فقط. ومع إسقاط جنس الفن عنه تسقط لاحقة النقد بدورها.

ويُفترضُ بالمسلسل الذي كتبه الثنائي حسن سامي يوسف، ونجيب نصير، أن يشكل امتداداً لمسلسلهما الأبرز "الانتظار" بعد نحو 12 عاماً من عرضه، مع تغيّر طفيف في الشخصيات التي تتبدّل أسماؤها ومهنها وظروفها الاجتماعية، ثم الزج بها في الواقع السوري المعاصر، لتقديم وجهة نظر النظام السوري تجاه "الحرب الكونية" على البلاد، بدلاً من تتبع مسارات حياتها لتقديم قصة درامية مشوقة.

لكنّ العمل المؤجل من العام الماضي، عانى من مشاكل إنتاجية وفنية متعددة، مع إسناد مهمة إخراجه لسمير حسين، بدلاً من الليث حجو، مخرج "الانتظار". وحسين مشهور بتقديم "الرمزية"، أي الدعاية للنظام السوري وترويج مفاهيمه السياسية. واعتذر العديد من النجوم الذين رشحوا لبطولة العمل، ومنهم كاريس بشار، وسلافة معمار، بسبب المستوى الرديء للنص أصلاً. وفي "فوضى" يجتمع يوسف ونصير، مرة أخرى منذ قدما مسلسل "السراب" في العام 2011، الذي لم يلق رواجاً يذكر. بعدها خرج نصير من سوريا، ليقدم أعمالاً في الدراما العربية المشتركة أبرزها "تشيللو". بينما كان مسلسل "الندم" العام 2016 أبرز ما قدمه سامي يوسف منفرداً، ولام فيه الشعب السوري على خراب البلاد بسبب الثورة من أجل الحرية.

ويُشكل "فوضى" هنا الجزء الثالث في ثلاثية صاغها سامي يوسف، فبعد "الانتظار" الطويل لـ"التنوير" و"التحديث"، أتت الفوضى التي أحدثتها الثورة السورية، ومعها الندم والرغبة في العودة للماضي الجميل، حيث الوطن السوري الوهمي الذي لم يكن موجوداً إلا في خطابات النظام ودعايته مع التسليم بأن سوريا ليست سوى دولة شمولية منذ العام 1970. وأشار معلقون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن تعديلات كثيرة طالت النص الذي ساهم فيه نصير بورشة كتابة مشتركة عبر الإنترنت مع سامي يوسف، من دون أن يوضح نصير هذا اللغط.

ويجب القول إن المسلسل قادر على إصابة المشاهد المسكين بآلام جسدية، تتنوع بين الصداع والغثيان وضيق النَّفَس، من دون الحديث عن الآثار النفسية الناتجة عن كمية السموم التي يضخها العمل. بطل المسلسل فادي صبيح، يجسد شخصية "أبو الخيل"، الرجل الشهم والظريف بالمعنى الشعبي، فهو يساعد جاراته في الحي لكنه يبيع "الحشيش" من أجل نشر السعادة وجني المال الذي يساعد به الآخرين. ولكي تكتمل صورة أبو الخيل، يجب أن تكون نغمة هاتفه أغنية تمجد جيش النظام السوري. ويعتبر ذلك، بلا شك، تشويهاً لشخصية عبود التي قدمها تيم حسن في "الانتظار".

التشويه السابق ينسحب على بقية الشخصيات، ويدفع للتساؤل إن كانت الشخصيات الأصلية التي عاشت في أحد أحياء العشوائيات على أطراف دمشق، تحوي كل هذه البروباغندا في السابق أم لا. ومع ترجيح الخيار الأول، بسبب إشراف النظام على الدراما وأي منتج فكري/فني آخر، وتمتعه بسلطة الرقابة وإعطاء الموافقات المسبقة والحق في المنع والقص، تصبح الدراما السورية المتفوقة عربياً، مجرد وهم في المجمل. وما حصل بعد الثورة السورية ليس تدنياً في مستوى الدراما السورية، بل تكثيفاً لرداءتها السابقة فقط بإزالة عوامل التوازن التي كانت تجعلها منتجات "مقبولة".

ويحاول العمل الارتكاز على عنصر "الفوضى" كقيمة أساسية، بدلاً من الموضوعات الأسهل، مثل الحب والصراع والانتقام وغيرها، كما أنها من أصعب الموضوعات التي يمكن معالجتها لأنها تحمل داخلها كل القيم الأخرى بشكل متضارب، لكن صانعي العمل يبدون تائهين وكأنهم لا يدركون صعوبة ما يريدون الخوض فيه أصلاً. وتشكل "الحرب" في سوريا حفرة الأرنب التي فتحت باب الجحيم على الشخصيات وغيرت قدرها. ويفترض في هذه النوعية من الدراما تقديم صراعات فلسفية وأخلاقية (آي زومبي، ديرك جينتلي، الضباب، ..)، لكن المسلسل لا يقدم سوى الخطابة المباشرة والتنظير البعثي العتيق، وهنا يقع في الانحياز ما ينسف الواقعية والحيادية التي يروّج لها صناع المسلسل.

وتركز جميع الشخصيات في حواراتها على البقاء في "سوريا الأسد" كمحدد للوطنية، وفي كثير من اللقطات يظهر عناصر من الجيش الروسي وهم يساعدون المدنيين لتجاوز نتائج "إرهاب المعارضة". أما الخراب، فيعود فقط إلى قذائف الهاون التي تلقيها المعارضة، بما في ذلك مدينة داريا التي دمرها النظام السوري بعد حصار طويل، وصورت فيها لقطات استعراضية، لا تخدم قصة العمل وأحداثه بل تشكل فواصل بين المشاهد وتعبيراً عن "الابتهاج بالنصر".

إلى ذلك، يتمادى المسلسل في إطلاق الأحكام على كافة مظاهر الحرية الفردية. فالاهتمام الاجتماعي المحافظ يطغى على ما سواه، ويتجلى ذلك في علاقة المحامي راتب (سلوم حداد) بابنه سالم (مجد فضة)، وعلاقة سلوى (نادين تحسين بيك) بابنها سيف (ريمي سرميني)، فضلاً عن شيوع المخدرات وتجول المثليين في الشوارع لشراء "الحشيش"، وغيرها من اللقطات "الغريزية". الفقر والموت، هما مجرد رتوش ضمن تلك الصورة القاتمة. ويراد من ذلك كله إثارة الحفيظة المجتمعية - الدينية لدى المشاهد ثم توجيه ذلك الغضب من شيوع الانحلال الأخلاقي نحو فكرة الثورة من الأساس، لأن تلك المشاهد لم تكن موجودة في الماضي.

الرداءة تنسحب نحو أداء الممثلين، الذين يميلون للجمود أو المبالغة. وربما يعود ذلك لعدم وجود شيء في النص لتمثيله أصلاً، ولا يستثنى من ذلك الأسماء المعروفة مثل سلوم حداد، ونادين تحسين بيك، وأيمن رضا، وسوسن ميخائيل. أما الكارثة فتكتمل بالممثلة ميري كوجاك، زوجة مخرج العمل، صاحبة المشاهد الكثيرة المروعة، من ناحية الماكياج والحديث والأزياء والبوتوكس والتجميل، وهي عوامل حولتها مجتمعة إلى ما يشبه الكائن الفضائي الذي يحاول التشبه بالبشر، ويفشل! تماماً كفشل العمل على جميع المستويات، الفنية والأخلاقية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها