الأربعاء 2018/05/23

آخر تحديث: 16:35 (بيروت)

زهير رمضان يغتال عبد السلام بيسة

الأربعاء 2018/05/23
زهير رمضان يغتال عبد السلام بيسة
"رقيب الفنانين" يعتدي على "ضيعة ضايعة" وسائر السوريين
increase حجم الخط decrease
لم يعد الحديث عن مواقف الممثل زهير رمضان، الموالية للنظام السوري، أمراً استثنائياً، بعد سنوات قضاها في التشبيح على زملائه المعارضين، من منصبه كنقيب للفنانين في البلاد. لكنه، في جديده الرمضاني "يوميات المختار"، لا يدافع عن النظام أو يتحدث باسمه فقط، بل يبدو وكأنه يستغل ولاءه النظام لبث أفكاره "السامة" التي قد تتخطى راديكالية الخطاب الرسمي نفسه، سارقاً إرث مسلسل "ضيعة ضايعة"، كواحد من أبرز الأعمال في تاريخ الدراما السورية، سواء من جهة طرح الأفكار السياسية بذكاء، أو جهة الشعبية في سوريا والعالم العربي.


"رقيب الفنانين" هنا، يعود لتجسيد شخصية "المختار عبد السلام بيسة" التي أداها بإتقان في السلسلة الأصلية، لكن تلك العودة تأتي مع منعطف حاد في مسار الشخصية، بانسلاخها عن واقعها الافتراضي ضمن بيئة درامية متخيلة، لتعيش فجأة في الواقع الحالي ضمن الحرب السورية، بعدما قضى تنظيم "داعش" على كافة سكان ضيعة "أم الطنافس الفوقا"، باستثناء المختار الذي قرر السفر إلى العاصمة دمشق متنقلاً في محطات مختلفة في طريقه ليروي قصة "الإرهاب" و"المؤامرة" التي أدت إلى خراب البلاد، علماً أن العمل من فكرة رمضان نفسه، وسيناريو محمود عبد الكريم وإخراج علي شاهين.


"سليل الإقطاع"، بحسب وصف الشخصيات له في "ضيعة ضايعة"، هو الوصف الأقرب للمختار، ولرمضان نفسه ربما، خصوصاً أنه يطبع الشخصية المحبوبة بحمضه النووي، في عملية أقرب إلى استحواذ الأرواح الشريرة على الأجساد البريئة في أفلام الرعب. ويصبح المختار أداة لشتم المعارضة والمعارضين واتهامهم بالإرهاب، مع تلميع صورة النظام بوصفه المدافع عن الحضارة الإنسانية، ووريثاً شرعياً لحضارات قديمة عاشت في المشرق مِثل مملكة أوغاريت (الحلقة 2)، أو حامياً للمسيحيين في المشرق (الحلقة 4)، وتجسيداً للإسلام السمح الحقيقي بعكس الإرهاب والوهابية (الحلقة 5).

والحال أن "ضيعة ضايعة" الذي عرض في جزئين منفصلين عامي 2008 و2010، قدم أفكاراً سياسية معارضة لم تظهر في أي عمل سوري آخر، ولو بعد الثورة السورية، فضلاً عن تقديمه قراءة مستقبلية مدهشة لواقع البلاد. إذ تنباً العمل بقمع النظام للمظاهرات السلمية "المفترضة" بقوة السلاح عبر الجيش، ومشاهد موت اللاجئين السوريين في البحر المتوسط، كما أن أهالي الضيعة أنفسهم يموتون في نهاية الجزء الثاني بالأسلحة الكيماوية! علماً أن العمل من تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو، وبطولة باسم ياخور والراحل نضال سيجري.

هكذا، يهاجم رمضان فكرة معارضة النظام على مستويات متعددة. الأول، لفظي مباشر وفج عبر المونولوج اللفظي واللغة البصرية للمسلسل. والثاني، رمزي عبر تشويه "ضيعة ضايعة" واستغلال ذكراه كعمل فريد، بقلب رسالته الأصلية لتقديم خطاب رسمي يعاكس روح السخرية التي غلفت جوهره القائم على النقد السياسي العميق للنظام الشمولي البعثي، وليس فقط لأداء الحكومة أو الفساد، على غرار معظم سلاسل الدراما الكوميدية منذ التسعينيات.


اللافت أن العمل يخلو من أي شخصيات، باستثناء المختار الذي يتنقل بين المناطق المختلفة مع موسيقى مليئة بالنحيب على "ما حصل بسوريا"، فيما يتحدث المختار مع الكاميرا موجهاً حديثه إلى الموالين أو المعارضين، بشكل مباشر، وبطريقة أقرب إلى "الفيديو سيلفي". كما تذكّر طريقته المباشرة، بالبرامج الحوارية المصرية التي تتمحور حول شخصية المقدم/الإعلامي، وتقديم التنظير الممل والخطابة الجوفاء للجمهور، طوال عشر دقائق ثقيلة تشكل مدة كل حلقة.

وعن المسلسل، قال رمضان في تصريحات نقلتها وكالة أنباء النظام "سانا": "يسلط يوميات المختار الضوء على العديد من الظواهر السلبية والإيجابية الناجمة عن الحرب على سوريا وينتقد بشدة دور أنظمة عربية شاركت في المؤامرة"، معتبراً أن ما قدمه مع طاقم المسلسل هو "رسالة للسوريين داخل البلاد وخارجها بأن الوطن هو أغلى ما في الوجود"، حسب تعبيره.

والحال أن أحداً من الممثلين الموالين للنظام ليس جديراً بتقديم بروباغندا النظام، بمثل هذه الدرجة من التفاهة، سوى رمضان (58 عاماً). فهذه المواقف الإقصائية والطريقة الجافة في إظهار ولائه لنظام الأسد، تنفر الموالين منه قبل المعارضين، كما أن قراراته منذ توليه منصب نقيب الفنانين العام 2014، ثم وصوله إلى مجلس الشعب التابع للنظام العام 2016، تجعله جزءاً من السلطة، لا ناطقاً باسمها أو مصفقاً لها فقط ضمن الأعمال الدرامية.

لا يمكن تصنيف ما يقدمه رمضان كمسلسل درامي رمضاني، بل هو خطاب كراهية ممنهج وإقصائي، يماثل خطاب النظام الرسمي الحالي الذي يحصر الحق في المواطنة بالولاء له أولاً، والذي يمكن رصده بسهولة في التصريحات الرسمية والإعلامية تجاه اللاجئين السوريين، بغض النظر عن موقفهم السياسي، والذين يتم اتهامهم باستمرار بالخيانة والعمالة للغرب وترك البلاد "عندما احتاجت إلى أبنائها الأوفياء".

ووسط ذلك كله، يبرئ المسلسل النظام من كل الجرائم التي ارتكبها في البلاد. فالعنف كان من جهة واحدة هي "المعارضة الإرهابية"، مع لوم متكرر للشعب السوري على خيارات الحرية والثورة، وبالتالي يستحق السوريون ما جرى بهم لأنهم "لا يستحقون سوريا". سوريا التي تصبح موازية للنظام الحاكم، وللتراث المادي من آثار ومبان ومدن ومعالِم دُمرت بفعل الحرب الدائرة في البلاد، بدلاً من أن تكون موازية للدولة الديموقراطية التي حلم بها السوريون وثاروا من أجلها يوماً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها