الأربعاء 2018/05/02

آخر تحديث: 18:30 (بيروت)

حزب الله.. خطاب يائس لجمهور يائس!

الأربعاء 2018/05/02
increase حجم الخط decrease
"الحرب تكاد تنتهي مع الوكلاء في المنطقة، لكنها يمكن أن تبدأ مع الأصلاء"، هي بشارة الحرب التي زفّها الأمين العام لـ"حزب الله"، السيد حسن نصر الله، لجمهوره ومناصريه في نهاية خطابه الانتخابي الأخير، بعدما أفرغ كل ما في جعبته من شتى الأساليب لحشد التأييد وضمان ترجمته أصواتاً في الصناديق في 6 أيارالمقبل. وهذا ما جعله يبدو يائساً من انفراط عقد الزخم والتأييد الشعبي الذي بدا خافتاً في أكثر من محطة ومناسبة سابقة ظهرت خلالها اعتراضات على "حزب الله"، بالنسبة للخسائر التي تكبدها في سوريا وعدم التفاته إلى الجانب التنموي في الداخل اللبناني وضمن بيئته. 

لم يحد نصر الله عن أسلوبه في مخاطبة جمهوره، إن كان لجهة كيّ الوعي، واستنسابية ذكر حقائق وإخفاء أخرى، أو لجهة ذكر الدم والشهادة والتضحية كما لو أنها قدر مقدّس لا بديل منه سابقاً أو لاحقاً، مع إخفاء الأهداف الحقيقية التي جعلته يسوق محازبيه ومناصريه إلى الموت، ألا وهي إيران، مع التركيز على قناعته بكرم مناصريه الذين لا يبخلون عليه بتضحياتهم أو بتقديم فلذات أكبادهم، فداءً لقرارات وخيارات الولي الفقيه ووكيله في لبنان.

نصر الله الذي طالب جمهوره بالكثير، وبتحضير أنفسهم لما هو آتٍ من خلال اعتباره أن "لبنان اليوم لا يزال في قلب المعركة ولا نزال بحاجة إلى المعادلة الذهبية ولتحصينها نحتاج إلى أصواتكم"، وأنّ "الإنتصارات والإنجازات يجب أن تحموها بأصواتكم، والمقاومة بحاجة إلى حماية سياسية لأن هناك تأمر دولي واقليمي يزداد عليها"، لم ينس في الخطاب رفع المسؤولية الكبرى عن كاهله ورميها على خصمه "تيار المستقبل"، الذي اعتبره هو الممسك بالسلطة منذ العام 1992. ومن دون أن يلقي بالاً لمفاعيل الوصاية السورية والنظام الأمني أو مسؤوليته في حرب تموز و7 أيار والقمصان السود وتخريب العلاقات العربية وضرب السياحة وتدخله العسكري في دول الجوار والمنطقة، ووقفته الشهيرة حين تعهّد بتسمية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد إسقاط حكومة الحريري، ما جعله ممسكاً بكل مفاصل القرار على الساحة اللبنانية. فلم يجد ضيراً بإلصاق التقصير بـ"تيار المستقبل"، فكان أن سأل جمهوره عما قدّمه هذا التيار للسنة في بعلبك والبقاع الأوسط سوى الوعود والتحريض الطائفي، معتبراً أن الحرمان من قطاع الخدمات هي نتاج تقصير وإهمال خصمه اللدود، ليسأل جمهوره من بعدها: "هل تنتخبون الذي خدمكم بالقدر المستطاع رغم انشغاله بالحرب؟ أم تنتخبون الذي أدار ظهره لكم؟"، و"هل تصوتون لمن دافع عنكم أم لمن تآمر مع الارهابيين ضدكم؟".

خطاب نصر الله هذا، الذي كان للنفس الطائفي حصة لا بأس بها فيه، اتخذ منحى مختلفاً عن الخطاب الإعلامي الانتخابي لـ"حزب الله"، ركّز فيه منذ بداية الحملات الانتخابية على الترويج بأن الحزب أضحى جاهزاً للاندماج بالدولة والعمل من ضمنها وخلالها، وفي كافة مستوياتها الاقتصادية معبراً، عن هذه الرغبة بشعار حملته "نحمي ونبني".

فالحزب الذي  كان قد استبق حملته الإعلامية الانتخابية بالربط بين التصويت كترجمة للوفاء للمقاومة ودم الشهداء، غيّر في خطابه الإعلامي ضمن سعيه لإرضاء بيئته ومحاولته للتغلّب على التململ الحاصل جرّاء سياساته وتعاطيه. فابتعد عن التركيز على خطاب الميدان والعسكر ليقترب من منطلق يتبنى فيه منطق الدولة الحريصة على تأمين حياة كريمة لمواطنيها، الأمر الذي تجلّى حملات مكثفة في مواقع التواصل وجّهت خطابها بالدرجة الأولى للبيئة الحاضنة لـ"حزب الله"، مطلقة وعودها بالعمل على تأمين حقوق المرأة وإيلاء سياسة خاصة لحماية العائلة والاطفال والحالات الاجتماعية وتامين التغطية الصحية الشاملة وضمان الشيخوخة ورفع مستوى التعليم الرسمي ودعم الجامعة اللبنانية وتطوير السياسات الاقتصادية والمالية، وغيرها من الوعود، بموازاة التذكير بانجازات العمل النقابي للحزب وأهمية وجود "حزب الله" في الحكومة والسلطة كضمان استقرار لبنان على أكثر من صعيد.


ترويج "حزب الله" لمرشحيه ولبرنامجه الانتخابي تخطّى هذه المرة دائرته الإعلامية، حيث خرج من إطار قناة "المنار" ونمطية إقامة المؤتمرات وخطب المنابر، إذ ظهر نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، في أولى حلقات برنامج "آخر كلمة" الانتخابي، الذي أطلقته قناة "إل بي سي" هذا الأسبوع. كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حالة غير مسبوقة من التفاعل بين مرشحي الحزب ومواطنين،  حيث أطلقت الماكينة الاعلامية لـ"حزب الله" حملة جمعت من خلالها مئات الأسئلة التي أجاب عليها المرشحون، كما جرى التواصل مع الناخبين من خلال فيديوهات يتحدث فيها نواب الكتلة عن هموم الناس ومشاكلهم اليومية. وظهرت مشاركات خرجت عن النمط التقليدي للاحتفالات التي ينظمها الحزب، حيث ظهر النائب نواف الموسوي في أحدها، وهو يتمايل على أنغام أغنية وطنية ويلوّح بالكوفية الفلسطينية، في احتفال شعبي اختلط فيه على غير عادة الإناث بالذكور.


الخطاب والأسلوب الجديد في التعاطي، فسّره موقع "العهد" الإخباري، التابع لـ"حزب الله"،  بأنه يندرج في سياق تحويل التهديد إلى فرصة، مشيراً في تقرير مفصّل عن أن الحزب يتقن اقتناص فرصة الانتخابات والتعبئة للمشاركة فيها لتحقيق مجموعة من الاهداف المخطط لها، أبرزها توثيق الرابط بين المقاومة وبيئتها، وتهيئة الارضية لمشاركة الحزب بالقرار الداخلي اللبناني، وتحضير الرأي العام اللبناني للدور الجديد الذي ينوي الحزب لعبه في الملفات الداخلية التي تشكّل بحد ذاتها  تهديداً للبلد عموماً، إلى جانب رسم الخطوط العريضة السياسية والاقتصادية للحكومة المستقبلية، كذلك الدخول بشكل أوسع على خط معالجة الهموم المطلبية لبيئته الحاضنة.

وفي حين أشار التقرير إلى أنه بعد تشخيص الحزب للتهديد المحدق به، شهد عملية تحول سريعة كاستجابة لهذا التهديد، ما استدعى استنفاراً واسعاً غير مسبوق على مختلف الصعد الاعلامية والسياسية وكذلك على المستوى الشعبي، لكن الواقع والحقيقة التي تغاضى التقريرعن توصيفها والتعبير عنها بشكل مباشر تتمثل بكون ما تم تسميته التهديد الحقيقي هو صادر تحديداً من داخل بيئة الحزب الحاضنة، من خلال التململ والتذمّر الواسع الذي بدأ يتفشى في داخلها ويسري بين جنباتها.

لذا فإن تغيير الخطاب الإعلامي للحزب بهذا الشكل المستجد أتى خوفاً واستباقاً من انكسارالجرّة بين الحزب وجمهوره، والتي اهتزت بقوة وفي أكثر من مكان ومحطة، ليس أولها في حيّ السلّم، ولا آخرها الكلام المستشري في بعلبك والهرمل وزحلة اليوم عن إيلاء الحزب لمناطق الجنوب وتنميتها الحصة الأكبر من اهتمامه وجهوده، وبأن ما استجّرّ على جمهوره وطائفته وما ألحق بها إلا الخراب، الأمر الذي بدا كما لو أنه بداية لسحب الغطاء الشعبي عن تحركات الحزب العسكرية والميدانية ومختلف قراراته السياسية، بل تهديده في وجوده ايضاً، خصوصاً وأنّ جهد "حزب الله" الإعلامي انصبّ بشكل كامل إلى الداخل، من منطلق التهديد الوجودي المتمثّل في خلخلة الوحدة وبروز بذور الانشقاق، متبوعة باستحقاقات وتهديدات وتحديات كبرى تنتظر الحزب من على الجبهتين الداخلية والخارجية.

يعلم "حزب الله" بأنّ وجبة الكرامة والمقاومة والشرف التي اعتاد تقديمها لجمهوره لم تعد كافية لإرضائه وإسكاته، الأمر الذي جعله يتّجه إلى تنويع خطابه الذي تركّز على تقديم نفسه كحامل مستقبلي لمشاريع إنمائية وتربوية واقتصادية بهدف خلق فرص العمل، وبأنّه شمّر ذراعية استعداداً لمحاربة الفساد وإيقاف الهدر، ما جعل البعض يعتبر أنّ الحزب وضع كل أوراقه في محاولة مستميتة ويائسة لكسب أصوات مؤيديه وبقائهم متمسكين به وملتفين حوله، كونه غير قادر على احتمال فكرة خسارة ولو مقعد واحد في لوائحه الانتخابية، وذلك تبعاً للخطاب العقائدي المتمثل بأن الحزب لا يُهزم، ما يجعله غير قادر على التكيّف مع أي خسارة في أي حالٍ أو مجال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها