السبت 2018/05/19

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

عمرو خالد على أجنحة الدجاج

السبت 2018/05/19
عمرو خالد على أجنحة الدجاج
increase حجم الخط decrease
"لن ترتقي الروح إلا لما جسدك وبطنك يكونوا صح مع خلطة آسيا".
عمرو خالد هو قائل العبارة السابقة، هكذا من دون تقديمات مسرحية لتسهيل توقع صاحبها. لكن المفاجأة ستبقى حاضرة، فالداعية الذي كان ملء السمع والبصر، بل إنه الوجه الأبرز في الدعوة الإسلامية في الألفية الجديدة، حتى إن قطاعاً عريضاً من الشباب كانوا يسمون "جيل عمرو خالد" قد وصل به الحال من التردي إلى درجة الترويج لمنتج استهلاكي عبر الدين.

هكذا يقف عمرو خالد، بنفس حماسته التي ظهر بها منذ ما يقرب من عشرين عاماً، ويتحدث عن "دجاج الوطنية" كما كان يتحدث عن سيرة الرسول وغزواته وحكايات الصحابة. 

صاحب مبادرة "صناع الحياة" التي انضم إليها "ملايين" الشباب، اكتفى بأن يكون صاحب مبادرة "صانع الدجاج" مبتذلاً نفسه أكثر فأكثر، حتى لم يعد في قلوب محبيه من محبة إلا القديمة منها، حين كان يتكلم فيُسمع، ويحلم فيحاولون تحقيق حلمه. 

ومن نافل القول إن ذلك الإعلان تحول إلى واحد من أكثر المقاطع المصورة تداولاً في خلال الساعات الـ24 الماضية، وتحقق "بعض" حلم عمرو خالد بتوحيد الناس وراء شيء واحد، لكن هذا الشيء لم يكن إلا مهاجمته والسخرية منه والنيل من كل ما يمثله.

السؤال هنا هو، هل "وصل" عمرو خالد إلى الحضيض بالفعل؟ أم أنه بالفعل فيه منذ وقت طويل؟ 

كثيرة هي الدراسات التي خرجت تتصدى بالتحليل للدعوة الجديدة، لكن يبقى من أبرزها كتاب الباحث السويسري باتريك هايني، "إسلام السوق"، وهو الذي تصدى لتحليل التغييرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على بنية الإسلام السياسي أولاً، ثم الميراث الضخم الذي انتقل إلى الدعوة الجديدة، "وفي مقدمتها عمرو خالد"، بالدعوة إلى الفردانية وتهميش الانتماء الأيديولوجي.

هكذا، ما عاد عمرو خالد وأشباهه وسطاء لسلعة الدين، بل حولوا أنفسهم إلى سلع قادرة على الترويج لنفسها باعتبارها تمثيلات لهذه الحالة الدينية الجديدة المتوافقة مع فردانية النيوليبرالية. أليس عمرو خالد نفسه، وقتما كان من نجوم شبكة ART، مَن خرَج ليُفتي بأن الكابلات المسروقة من الاشتراكات حرام، وهو ما اعتذر عنه لاحقاً؟ فقد عبّر الاعتذار هذا، عن أن عمر خالد لم يُرِد لصورته السلعية أن تتأثر بالأعمال التجارية البحتة التي ترخي بظلالها على رواج بضاعته الدينية. هكذا استطاع أن يمر من "أزمة" ذلك الإعلان.
كشفت ثورة يناير أن أحلامه في "النهضة والتغيير" لم تكن أكثر من مادة ترويجية جيدة، وظهر عوار هذه الدعوات التي تحمل في باطنها طموحاً تجارياً. والأهم أن الثورة لم تقبل "الوضع الوسط" الذي كرس خالد حياته له وروج له لسنين، الثورة كفعل راديكالي أرادت انحيازات واضحة، ولأن خالد لا يفهم ذلك الانحياز، فقد كرهه الجميع: الإسلاميون والدولتيون والثوريون والفلول والعاديون. تحولت جماهيريته الخارقة إلى نوع من العقوبة الدائمة لمجرد استمرار وجوده على أرض الواقع.

اليوم، وبعدما فقد عمرو خالد قدرته على أن يكون سلعة، أو الترويج لسلعته الأهم، لم يبق له إلا استغلال الملايين المعجبة بصفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لبعض السلع الواضحة، الدجاج على السبيل المثال، مثله مثل أي شخصية افتراضية شهيرة، مثل أي  social media influencer.

فليستمر عمرو خالد على طريق إعلانات الدجاج والطعام، ومستحضرات التجميل ربما، لعله يستطيع أن يُنسي الناس تاريخه، ويعود بشكل طهراني جديد، مجرد رجل يحمل صفحة أعجب بها الملايين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها