الجمعة 2018/05/18

آخر تحديث: 19:18 (بيروت)

قصر الصحافة اللبنانية

الجمعة 2018/05/18
قصر الصحافة اللبنانية
لا يستحصل القصر على قيمته من ارتباط عنوانه بعنوان نقابة الصحافة، بل بإشهاره كعطية من المهندس نجار(مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
على الصحافيين أن يفرحوا، فالمهندس ريمون نجار قدم لنقابتهم مركزاً، وهو ليس عادياً، بل مبنى من ثلاث طبقات. نعم، لقد صار للصحافة قصر، وصحيح، أنه ليس فخماً، كـ"شاتو ألامان" في سويسرا مثلاً، بل متواضع.

لكنه، ومع ذلك، هو قصر واسع، إذ أن غرفه تتخطى العشر غرف، كما أنه قصر براق، بحيث أن الرخام الأبيض الذي يزين جدارنه، والألمنيوم الذي يكوّن أبوابه ونوافذه، يوفران له لمعة وإشراقة فريدتين، لدرجة يصعب تخيله بدونهما، فهذا القصر لا يقوم بلا هذا النصوع الجذاب. 

وبالفعل، وعلى إثر جمال هذا القصر، لا يمكن لأي صحافي يلمحه سوى أن يخطر له ترك مسكنه، والإنتقال للإقامة فيه، لكنه، سرعان ما يعدل عن خاطرته، مستبدلاً إياها بأخرى. فها قد جاءت فرصة الزملاء، الذين طردتهم مؤسساتهم قبل وبعد إقفالها، ولم يحميهم أحد. ذلك، أن القصر مفتوح لهم، ومن الممكن لمساحته التوزع عليهم، ولو أنها، وبسبب كثرتهم، ستبدو ضيقة قليلاً، لكن، لا بأس، فهذا قد يكون سبيلهم للتكاتف. 

فربما، وجدت النقابة أن الحل لمشكلة هؤلاء هو أن تتحول إلى قصر يرحب بهم. وهم، وكلما ازدحموا داخله، اقتربوا من بعضهم البعض، فيكون فضاء لتآزرهم، لا سيما أن السقف القرميدي فوقهم يحيل إلى جو تلك المرحلة التي يتحدث عنها كتاب القراءة في المدرسة الإبتدائية. 

طبعاً، هذه النكتة سيئة، لكن، ليس بقدر سوء واقعها!

بيد أن الطريق إلى القصر أمام الصحافيين ليس يسيراً للغاية. فما أن يشارفوا عليه، حتى لا يعودوا يميزون بين كونه نقابتهم أو كونه "تقدمته". فعبارة "نقابة الصحافة اللبنانية" تساوي العبارة السابقة عليها، أي "تقدمة ريمون إسكندر نجار"، وهذه المساواة تتعدى الحجم إلى المعنى: التقدمة تعادل بأهميتها موضوعها، وإسمها يعادل إسم هذا الموضوع، ولأن التقدمة، وإسمها، يسبقان الموضوع، وإسمه، يصبحان غالبين عليهما، وعندها، يكون ارتفاعهما فوقهما إشارة إلى استحواذهما على كل المنزلة. بالتالي، لا يستحصل القصر على قيمته من ارتباط عنوانه بعنوان نقابة الصحافة، بل بإشهاره كعطية من المهندس نجار. 

وفي الواقع، وبحسب المكتوب عليه، يشبه القصر عطية من نوع معين، أي إكليل الزهور، الذي يجري تسجيل إسم المُرسِل عليه متمنياً الخير للمُرسَل إليه. لكن، وفي حالة القصر، لا يمكن الجزم إن كان هذا الإكليل هو إكليل زفاف أم شفاء، إلا أنه، وفي الوضعين، وفي صميمهما، إكليل عزاء، وقد علق في صالة، تنتظر وصول ميتها، الذي يدعى الصحافة، على حصان أبيض!

وليس الوصول إلى القصر يسيراً بسبب التباسه كتقدمة على كونه نقابة فقط، بل لأنه يقع في منطقة خاضعة للحراسة الأمنية أيضاً، وذلك، بسبب قربه من مقر اقامة رئيس مجلس النواب نبيه بري. فالذاهبون إلى قصر الصحافة قد يظنون أن تقدمته استوجبت استكمالها بتأمين الحماية له، لكنهم، سرعان ما يكتشفون وهم هذا الظن، ويدركون أن قصرهم ليس هدف الخفر، بل أن المسؤولين عن المراقبة ينظرون إليه كمصدر إزعاج أكثر منه مصدر طمأنينة ربما. في النتيجة، نقابة الصحافة، أي عطية المهندس ريمون إسكندر، محمية، وبطريقة غير مقصودة، من جهاز الرئيس بري، كقائد للبرلمان، وقبله، كمحب للغة العربية، وشاعر بها أيضاً، ويا لحسن حظ الصحافة.

مضحكة، وفي الوقت ذاته، محزنة هي العمارة التي قدمها المهندس ريمون إسكندر لنقابة الصحافة. تثير الضحك لأنها غير معدة سوى لتأجيرها كغرف، ومحزنة لأن المقيمة داخلها، أي الصحافة، ومن أجل أن تنزل فيها، عليها أن تجدها هدية رائعة، أن تجدها، وكالنكتة السيئة أعلاه، قصراً. وبالفعل، الأخير يختزل الصحافة: تزين مطابق لنقيضه، غرف كثيرة وخالية، حراسة أمنية بمثابة تطويق نفسه بنفسه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها