الأحد 2018/02/25

آخر تحديث: 18:00 (بيروت)

عندما تشاهد الصحف كتماثيل ضوء في الفراغ

الأحد 2018/02/25
عندما تشاهد الصحف كتماثيل ضوء في الفراغ
increase حجم الخط decrease
هل قرأت أخيراً أن يابانيّاً ابتكر شاشة طريّة، بل يمكن لصقها على الجسم كالضماد؟ إذا أصبح التلفزيون كذلك، يصبح لفافة يمكن لصقها على الجدار! ماذا لو قرأت الصحف على شاشة كتلك؟ ألا يشبه ذلك ما رأته العيون في أفلام للخيال العلمي، كـ"تقرير الأقلية" (2002) الذي صنعه المخرج اللامع ستيفن سبيلبيرغ؟ 

ربما تسير الأمور في زمن قريب خطوة أبعد من الشاشة الطرية القابلة للطي والثني واللف. في "معرض لاس فيغاس لإلكترونيّات المستهلك- 2018"، ظهر خليوي إسمه "موفي" MOVI، يستطيع أن يسقط الصور والأشرطة مباشرة على أي سطح، بل أنها تكون ثلاثيّة الأبعاد أيضاً. إذ يحتوي جهاز عرض ضوئي ("بروجكتور") يعطي صوراً بقياس 100 إنشاً، ما يشبه سينما متحرّكة. هل فكرت أنك ربما قرأت مقالاً صحافياً من الخليوي على ظهر مقعد في مقهى، أو باب غرفتك، فيظهر مجسّماً ؟

بعد أن باتت المشهدية الثلاثية الأبعاد مألوفة تماماً في السينما (لنذكر فضل سلسلة أفلام الكرتون المجسّمة وأفلام من وزن "آفاتار" Avatar للمخرج جايمس كاميرون في تكريس تلك الظاهرة)، وشاعت إلى حدّ أن صارت شيئاً عادياً على التلفزة، باتت المساحة المرشحة لتكون ملعباً للموجة المقبلة من المشهدية الثلاثيّة شبه واضحة: الخليوي والـ"تابلت" مع ما يحملانه من مواد، خصوصاً الكتب والصحف.

وتندفع مثل تلك الأفكار إلى الأذهان، كلما عصفت بعوالم التكنولوجيا رياح تغيير جذري. وطري في الذاكرة ما شهده موقع شبكة "ريدت.كوم"   للتواصل الاجتماعي، من عواصف من التعليقات التي تدافعت بعد أن نشر ذلك الموقع خبراً عن إنجاز تقني يتعلق بالمشهدية الثلاثيّة الأبعاد. 

ويتعلّق الخبر الذي أثار آنذاك صخباً عارماً في صفوف جمهور الـ"سوشال ميديا"، خصوصاً في الولايات المتحدة، بتوصّل شركة يابانيّة تعمل في "وادي السليكون" الأميركي، إلى صنع جهاز للعروض الضوئيّة ("بروجاكتور" Projector)، يستخدم أشعة الليزر كي يصنع صوراً ثلاثيّة الأبعاد للأشياء التي يعرضها، فتبدو كأنها مجسّمات لامعة معلّقة في الهواء.

عيون تشاهد الفراغ مجسّماً!
الأرجح أنه أمر يمهد لما بعده. إذ ما زالت الصور التي يصنعها جهاز الليزر للعروض الثلاثية الأبعاد، تقتصر على الملامح الكبرى، ما يعني أنه لم يصل إلى مرحلة يكون فيها صالحاً لتقديم مختلف أنواع المحتوى في عروض تنتصب في الهواء، كأنها أشباح مضيئة معلّقة في اللاشيء بفعل سحر خفي. ومثلاً، من المستطاع عرض صور ثلاثية الأبعاد لمبنى ما، لكن لا يستطيع الجهاز راهناً أن يعرض فيلماً ولا صوراً شخصيّة، ولا... نصوصاً مكتوبة!

وفي سياق متصل، يشتهر عن شركة "أمازون" أنها قدّمت خليوياً ذكياً له شاشة تقدّم مشهديات ثلاثية الأبعاد، وهي تصل إلى الأعين مباشرة من دون وساطة نظارات خاصة. وحمل الخليوي الثلاثي الأبعاد إسم "فاير فون" Fire Phone. وبشاشة بحجم 4.7 بوصة، ولم يزد سعره "فاير فون" عن 300 دولاراً في الأسواق العالمية.

ومع تذكّر أن "أمازون" هي الصانع للكتاب الإلكتروني الشهير "كيندل" Kindle، بات من غير المبالغة توقّع أن تتمكن الشاشات المقبلة لأجهزة الكتاب الإلكتروني، من تقدّيمه عبر الأبعاد الثلاثة. 

واستطراداً، يحقّق ذلك حلم مشاهدة النصوص منحوتة بصرياً كأنها تماثيل مرصوفة، مع عرض الصور والبيانات وأشرطة الفيديو التي تتضمّنها النصوص المكتوبة في الكتاب الإلكتروني. يزيد في إلحاح السؤال أن خليوي "فاير فون" ذكّر باللوح الذكي "فاير كيندل" Fire Kindle الذي صنعته الشركة نفسها قبل 3 سنوات، لتنافس به في صناعة الألواح الذكيّة. هل تكون الصحافة أيضاً هي النقلة المقبلة، بمعنى أن تقرأ على الأجهزة الرقمية بالأبعاد الثلاثة؟ لننتظر...قليلاً.

ويزيد في أهمية "فاير فون" أن مشهديته الثلاثيّة الأبعاد لا تتطلّب أن يكون الشريط مصوّراً أصلاً بتقنية تمكن من عرضه بالأبعاد الثلاثيّة، كما هو الحال في السينما حاضراً، ولا أن يبثّ من مصدره بالأبعاد الثلاثية، كالحال في التلفزيون حاليّاً. 

العين مجرد محطة
باختصار، تشتغل التقنيّة التي ابتكرتها "أمازون" على العين مباشرة. وزوّد جهاز "فاير فون" بتقنيّة سميّت "المقترب الديناميكي"Dynamic Perspective. وتعتمد على 4 كاميرات مثبّتة على الشاشة، ترصد الوجه وتحدّد موقع العينين فيه باستخدام الأشعة تحت الحمراء. 

وعند تشغيل تلك التقنيّة، يكفي أن تُحَرّك الشاشة قليلاً بطريقة تعدّل ما يظهر عليها، كي ليتّخذ ما يعرض عليها مظهراً ثلاثيّ الأبعاد، من دون الاضطرار إلى استعمال نظارة خاصة. 

وحسمت "أمازون" سباقاً تكنولوجياً ضخماً بالتوصل إلى طريقة لعرض الصور والأفلام بالأبعاد الثلاثة، بل لعلها تقدّمت بخطوة على عملاق الإنترنت "غوغل" الذي أعلن قبل أيام أنه يعمل على لوح ذكي "تابلت" بشاشة ثلاثيّة الأبعاد. 

هل ورد في الكلمات السابقة أن "أمازون" سبقت غيرها بخطوة؟ ليس أمراً هيّناً أبداً. في العلوم العسكرية، يعتبر التقدّم بخطوة كافيّاً لحسم معارك كبرى، وكذلك الحال في الشطرنج.

وفي شركات المعلوماتية، يكون التقدّم بخطوة كافيّاً لاكتساح عصر بأكمله. لنتذكر أن المنافسة الطويلة بين "مايكروسوفت" و"آبل"، استهلّت عندما تمكّن العبقري بيل غيتس من سبق غريمه الراحل ستيف جوبز، فكان أن تمدّد نظام التشغيل "ويندوز" على 96 في المئة من الأجهزة، فيما انحصر الـ"ماك" في زاوية السوق. ثم سبق جوبز منافسيه، بخطوة في "آي باد" (كذلك الحال في "آي فون") هي إدراكه لأهمية التطبيقات "آبليكايشنز" Applications، فكان أن انقلبت مسارات التنافس رأساً على عقب.

ربما يكفي السبق بخطوة الفصل بين المشهدية الثلاثية الأبعاد والاضطرار إلى استخدام نظارة خاصة لرؤيتها، لتحقيق اختراق تكنولوجي ضخم. إذ بات مألوفاً على شاشات السينما، خصوصاً منذ رواج فيلم "آفاتار"، مشاهدة الأفلام الثلاثية الأبعاد، لكنها تحتاج دوماً إلى نظارات خاصة. 

وبعدها، راج أن الشاشات التي تقدم صورها بالأبعاد الثلاثيّة المجسّمة هي مستقبل الأجهزة الرقمية كافة. ومثّلت النظارة عائقاً كبيراً. إذ يصعب تصوّر انتشار شاشات الأبعاد الثلاثة، إذا كانت رؤيتها مرتبطة باستعمال نظّارة خاصة.

ومع أعين باتت ملتصقة بالشاشات، حتى عندما تعبر الشارع أو تنخرط في أحاديث خاصة أو حتى في أماكن العمل والدارسة، صارت النظارة حاجزاً لانتشار مشهدية الأبعاد الثلاثة. وقبل سنتين، طرحت شركة "توشيبا" اليابانيّة تلفزيوناً ثلاثي الأبعاد لا يحتاج نظارة، لكنه ما زال ينتظر الانتشار على نطاق تجاري عالمي. إذاً، الأرجح أن تنتقل "سينما المنزل" إلى زمن المشهديات الثلاثيّة الأبعاد، في زمن أقرب من وصفه بالقريب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها