الخميس 2018/12/13

آخر تحديث: 16:19 (بيروت)

عن قوة راغب علامة

الخميس 2018/12/13
عن قوة راغب علامة
بدلا من التنافس مع الثنائي الشيعي، يتحرك بين الأطراف ويستفيد من العلاقات مع الجميع
increase حجم الخط decrease
لم يكن الفنان اللبناني راغب علامة، في حاجة الى حملة تضامن واسعة، بعد واقعة "تطيير الرؤوس" الشهيرة مع النائب حكمت ديب، للإثبات بأنه مغنٍّ أقوى من معظم السياسيين. فلبنان  تحمله أربع زوايا، تتألف من سياسيين واقتصاديين وفنانين واعلاميين. 
أصوات هؤلاء وصورهم، تنافس صورة لبنان الكيان، في الداخل والخارج، حد التماثل والترابط. وغالباً ما تتآلف تلك المجموعات، وتلتم على بعضها في الأزمات وفي الرخاء. ونادراً ما تتباين في ما بينها، لتشكل مجموعات منفصلة ومتصارعة، لكنها، إذا حدث ذلك، لا تخرج عن سقف حددته لنفسها بالتباين والتصارع، ليعود الجميع الى الالتفاف والاحتضان "وطنياً" بعد انجلاء "غمام الاختلاف".

ولا تتشكل المنظومة حكماً من جميع العاملين في تلك القطاعات الأربعة. ثمة "نجوم" و"مؤثرون". لهم صوتهم المسموع، وصورتهم الضاربة في ركن شعبوي وشعبي على حد سواء. فيقال عن السياسي "حامي البلد"، وعن الفنان "صورة البلد" وعن الاقتصادي "ركن البلد" وعن الإعلامي "صوت البلد". وهم، على قلّتهم، يتكتّلون، في السرّ والعلن، عندما يتعرض أحدهم لهجوم من شخص لا يحظى بغطاء. كما يتكتلون تضامناً، عندما يتعرض أحدهم لهجوم من شخص يحظى بغطاء، قد يكون من المنظومة نفسها، لكن تغطيته لا تكفي لمؤازرته في معركة افتراضية مع شخصية ذات غطاء أكبر. وهو الحال في التهديد المفترض بين علامة الفنان، وحكمت ديب النائب، الذي أخطأ مع أحد الأركان التي تفوقه قوة، وتفوّه بما يمكن أن يحرج "الغطاء الأوسع" الذي يغطيه، فتم كشفه أمام حملات الاعتراض والإدانة. 

والتضامن مع الأركان الأربعة، وإدانة المتعرضين لها، تتفاوت بحسب طبيعة الشخص المعرّض للتهديد أو القدح أو الذم. يمكن أن تتخذ شكل إشعال الشارع، عندما يتم المسّ بسياسي. وبالوقفات الاحتجاجية عندما يتم المساس بإعلامي أو بإقتصادي. وببيانات التضامن والتغريدات الإلكترونية، عندما يتم المساس بفنان. 

ذلك ان الفنان، لا يمتلك أزلاماً تهتف "بالروح والدم". جل ما يمتلكه الفنان، هو جمهور، يتخطى في أحيان كثيرة الجانب المحلي. ويتفاعل إلكترونياً، لا على الأرض، لأنه لا يتلقى منفعة مباشرة من "نجمه الفني"، ولا ينطلق الدفاع عنه من مصلحة شخصية صرفة. 

لا شك أن راغب علامة يمثل ركناً من تلك المنظومة الرباعية الحاملة لصورة البلاد. هو واحد من فنانين لا يتخطى عددهم العشرة، وهم يمثلون "صورة البلد". وبهذا المعنى، فالدفاع عن علامة، أو التضامن معه، لا يعود فقط الى كون التهديد المفترض الذي تعرض له، يعتبر مساساً بالحريات في البلاد فحسب. بل ينطلق التضامن أيضاً من كون علامة، جزءاً من تلك المنظومة التي يمنع المساس بها. فهو صديق السياسيين، وخليل الاقتصاديين، وحبيب الاعلاميين. فالتوصل الى هذا الاستنتاج، لا يحتاج دليلاً كبيراً. تكفي متابعة حسابات علامة الالكترونية والمداولات الإعلامية، لتأكيد الفرضية. 

انطلاقاً من كل ما سبق، يقود التمعّن في الأغنية التي أشعلت ثقاب النائب حكمت ديب في وجه علامة، الى أنها لم تبدل شيئاً في الوجع اللبناني. فالأغنية تشبه الى حدّ بعيد استحداث وزارة مكافحة الفساد التي لم تنتج الكثير على مستوى مهامها. وتشبه الى حد بعيد خطابات السياسيين التي تحذر من التدهور الاقتصادي، أو التي تعلن الالتزام بمحاربة الفساد. وعليه، يصبح المضمون إنذاراً مكرراً. يشبه أيضاً الأغنيات المناسباتية التي تصدر في المنعطفات الوطنية، وكان لعلامة مساهمة فيها. 

على أن قدرة علامة على التغيير أو الحث عليه، محدودة. لكن التعرض له يستجلب الدعم السياسي، بوصفه جزءاً من المنظومة، وليس منافساً لأحد أركانها. فالتنافس الحقيقي في هذا السياق مع السياسيين - النجوم، سيفقده ما حققه من تضامن تابعه الناس، منذ الأحد الماضي، ويستدعي انقساماً معه أو ضده. 

قوة علامة، بهذا المعنى، تكمن في ركنه الفني، لا السياسي. وقد توصل الى تلك الحقيقة، عندما فقد حظوظه، وآخرها في الانتخابات النيابية الماضية، بأن يكون منافساً. ولو استطاع ولوج عالم السياسة، لما تمتع بغطاء سياسي يستجلب هذا الكمّ من إدانة حكمت ديب، كالذي حققه أخيراً. 

قوة علامة اليوم، في كونه جزءاً من الركن الفني الحامل للبلد. ربما ساعدته الظروف التي حالت دون وصوله للنيابة، أو التمثيل في الحكومة، في الحفاظ على موقعه المؤثر المستجلب للتضامن. يتحرك علامة في هذا الملعب، كركن مكمّل في البلد، وعابر للطوائف، وليس منافساً لثنائية شيعية تختصر التمثيل السياسي الشيعي في الطائفة. وبدلاً من المنافسة، يتحرك بين الأطراف كلها، ويستفيد من العلاقات مع الجميع، ويكرس نفسه جزءاً من المنظومة، بلا أي أضرار تُذكر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها