الإثنين 2018/12/10

آخر تحديث: 19:22 (بيروت)

قطّاع الرؤوس.. حكمت ديب!

الإثنين 2018/12/10
قطّاع الرؤوس.. حكمت ديب!
دعا ديب جهاراً لوجوب "تطيير رأس" راغب علامة
increase حجم الخط decrease
لم يحتمل النائب والعضو في كتلة "لبنان القوي"، حكمت ديب، فكرة ومضمون الأغنية الجديدة للفنان راغب علامة، بعنوان "طار البلد". فالرجل ينتمي إلى تيار يضيق صدره بالنقد والمساءلة، لكن يبدو أن الحالة تفاقمت لدى ديب، وأظهرت معدنه الحقيقي الذي تمثّل بالدعوة جهاراً لوجوب "تطيير رأس" علامة، عقاباً له على ما وصفه بـ"اللامسؤولية"، التي أبداها تجاه الوطن.

ديب الذي هاج وماج من تجرؤ فنان لبناني على إلقاء المسؤولية على الطبقة الحاكمة وانتقاد السلطة، استتبع مطالبته بالاقتصاص من علامة بتغريدة خاطبه فيها قائلاً "خلّي أغانيك عن الحب والغرام، شو بدك بالبلد". فالنائب، الذي يتمتّع بحصانة كاملة، لا يرى مانعاً يردعه من إطلاق عبارات التهديد والتحريض على القتل، منطلقاً من ذهنية تعتبر أن الترهيب هو الوسيلة الأنجع لردع وقمع منتقدي السلطة والعهد، حتى وإن كانوا من أهل الفن وأصحاب النجومية، ومقابل فنان بمستوى راغب علامة، الذي أعلن بدوره أنه بصدد اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ ديب، مطالباً رئيس مجلس النواب، نبيه بري، برفع الحصانة عنه، تمهيداً لمقاضاته بتهمة التحريض على قتله.

أغنية علامة أتت في وقت يتفق الجميع فيه على أنّ الوضع في لبنان عالق في عنق زجاجة، ما جعلها تعكس استفحال سوء الأحوال، التي آل إليها لبنان عقب سنتين على انطلاق العهد الجديد. وبصرف النظر عن مقاربة الأغنية لناحية مضمون كلماتها أو جودة لحنها، فإنّ الأغنية حازت إعجاب كثيرين ممن اعتبروها "صرخة" أراد من خلالها علامة أن يوصل صوت المواطن، الذي يريد القول للمسؤولين إن الوضع الذي نحن فيه تخطّى قدرتنا على التحمّل. وهو أمر تعودنا عليه في لبنان، في كثير من المراحل، إن كان من خلال الأغنية السياسية أو النقدية أو الاسكتشات الغنائية.

فما الذي أطاح بصواب النائب ديب في هذه الحالة؟ وما الذي استفزه؟ هل هو الاستشعار بفائض القوة؟ أم أنه مقتنع بأنّ على السلطة ألا تكتفي بالوسائل الأمنية والقضائية لمضايقة منتقديها، لذا يتوجب عليها ضرب أعناقهم؟! أو هي الغيرة من الديكتاتوريات المحيطة بنا في سوريا ومصر، أو المتسلطة علينا مثل إيران، والتي تتحجج بانتهاج القمع ضدّ أي عمل فكري أو فني قولبت له تهمة توهين الشعور بالوطنية، والخروج عن الولاية للسلطة. فهل وطنيتك الزائدة يا حضرة النائب هي التي دفعتك للتحريض على قطع رؤوس المواطنين، كلما صرخ أحدهم من الألم الذي يسببه سحق السلطة له؟ وأي حكم قراقوشي هذا الذي تريد أن تخضعنا له، والذي يتيح لك ببساطة القبض على أرواح من تزعجك صرخاتهم وأصواتهم؟! ألم يعد بمقدورك يا حضرة النائب الإنصات سوى للمدّاحين وماسحي الجوخ والمطربين المنضويين في جوقة السلطة؟

متطرفة وبشعة المقاربة التي ينتهجها الزاعمون باحتكار الوطنية والحقيقة والحرص عليهما، وهم يزدادون تفريخاً وتفقيساً في ظل هذا العهد وبين أزلام تياره. فإنّ كانت هذه هي آراؤكم وتوجيهاتكم في العلن وعلى الملأ، فما الحال إذاً في جلساتكم المغلقة، وما الذي يُقال فيها؟ وما هي نظرتكم لنا كمواطنين لا نستبشر بكم خيراً، ولا نرى في حركتكم بركة، بل جلّ ما نظنّه فيكم، أنتم ومن لف لفيفكم ومن يشبهكم من الطبقة الحاكمة، أنكم بعيدون من معاناتنا آلاف السنوات الضوئية، ولا يرفّ لكم جفن سواء إن غرقت شوارعنا بالأمطار أو احتلت النفايات طرقاتنا، أو تبخرت مدخراتنا او طردنا من أعمالنا، أو أننا نفكّر يومياً وجدياً بالهجرة إلى أقاصي الأرض هرباً منكم. طار البلد، خرب البلد، هذه حقيقة دامغة.

صاحب الحسّ الوطني المرهف يتحرّك إحساسه غبّ الطلب، فأناشيد علي بركات وأمثاله لا تستفزه ولا تثير استهجانه، بل تشنّف أذنيه كلماته القائمة على التفرقة والشحن، فلماذا لم نسمع من النائب ديب أي تعليق على نشيد التمجيد بوئام وهاب، الذي أتى "مكافأة" له على تهديده السلم الأهلي والمسّ بالوحدة الوطنية، والتي تنضح بالحقد والكره ونشر الفوضى.

بضمير مرتاح نقول إنّ "طار البلد" تعبّر عنا، رغم أنها لم تخرج عن سياق التردي الذي أصاب الأغنية السياسية في لبنان منذ زمن، والتي لم تعد مؤثرة مثلما كانت الحال أيام صرخة شوشو "آخ يا بلدنا". فلا هي عمل متمايز، مثلما أنها ليست أغنية استثنائية في هذا الإطار. لذا فلنضعها في مكانها الحقيقي، تماماً بموازاة أغاني زين العمر ومعين شريف وغيرهم، ممن يمجدون العهد بأغنياتهم. فإن كان لهؤلاء الحق بالتغنّي بالباطل والزور والبهتان في مديح السلطان، فالأولى أن يحقّ لآخرين، مثل راغب علامة، أن يعبّروا بشكل مغاير، وأن يُسمعوا أصواتهم على طريقتهم، من دون خدش أسماع مستزلمي العهد وحراس هيكله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها