الإثنين 2018/12/10

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

إسرائيل تحوّل أنفاق حزب الله "فُرجة" للعالَم

الإثنين 2018/12/10
إسرائيل تحوّل أنفاق حزب الله "فُرجة" للعالَم
اسرائيل تقول: "أخذنا من حزب الله أداة جدّية" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
المصطلحات الاسرائيلية وغيرها من مدلولات وسياقات ذات علاقة بـ"مهرجان" الكشف عن أنفاق حزب الله على الحدود الشمالية، تفضي الى ترجيح الاعتقاد بأن إسرائيل ليست في وارد الحرب على لبنان إطلاقاً، على الأقل في هذه المرحلة. فقد عملت على تهدئة جبهتها إعلامياً، باعتماد تعابير مثل "نجاح باهر لجيشنا".. "يمتلك تكنولوجيا مُطوّرة في إسرائيل ليست بحوزة أحد في العالَم".. "أخذنا من حزب الله أداة جدّية"...
من النفق الأول حتى الثاني، وأكثر مما يُزعَم.. لم تتغير المصطلحات الإسرائيلية. بل دفعتها بالمزيد من تضخيم الدعاية ضد حزب الله وايران. وحتى الخطاب التهديدي الاسرائيلي بشن ضربة عسكرية ضد لبنان، إذا ما واصل حزب الله انتاج صواريخه "الدقيقة"، ليس بعيداً هو الآخر عن محاولة تحريك مياه المجتمع الدولي الراكدة للتدخل وتشكيل جبهة دولية تحاصر الحزب وتفرض عليه مزيداً من العقوبات.

والواقع، أن عملية "درع الشمال" هي جزء من حملة إعلامية جهّزت لها الدولة العبرية قبل ذلك في بروكسل خلال اجتماعها مع وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس، ومن بعده وزير الخارجية مايك بومبيو، بالتوازي مع حملة إعلامية مماثلة في الوسط الروسي من أجل إقناع الرأي العام بأن "إسرائيل هي التي تعاني على الجانب الآخر من الحدود.. ولم تعد تحتمل". 

ولكي تتكرس هذه الدعاية وتثبتها بشكل ملموس، قررت إسرائيل منذ اكتشاف النفق الأول، أن تجعله "مزاراً" "ومحجاً" يرتاده كل من يأتي لزيارة الأراضي المحتلة على صعيد سفراء، ووزراء، وحتى صحافيين وأعضاء برلمان من أنحاء العالم. إذاً سيكون النفق الأول المكتشف، كما الأنفاق التي يتم العثور عليها تباعاً، "فُرجَة" للعالم؛ كما تؤكد صحيفة "إسرائيل اليوم"، في أعقاب انطلاق عملية "درع الشمال"، وذلك أن "إسرائيل لن تفوت فرصة من أجل ابتزاز حزب الله". 

والواقع، أن إسرائيل دأبت في صياغة دعايتها دائماً، على أن تحول أماكن تعرضت لعمليات وهجمات فلسطينية أو عربية، لمواقع تكون على جدول زيارات المسؤولين والمثقفين القادمين من الخارج، أملاً في استعطاف العالَم ولتقول "شاهدوا كم نحن نعاني من الفلسطينيين والعرب!".

لكن، ما وراء اثارة إسرائيل لمسألة الأنفاق في هذا الوقت، لا سيما أنها تأخذ طابع الإثارة الإعلامية والسياسية أكثر من العسكرية؟.. وهل يتوقف الأمر عند الأنفاق..أم أنها المدخل الرئيسي للجم صواريخ حزب الله "الدقيقة"؟!.

في الواقع، أنه سؤال طرحته وسائل إعلام إسرائيلية، حاولت ان تفكر خارج الصندوق وأن تتحرر من الإلتزام الحديدي بما ينشره الساسة والعسكر من دون أن يجيبوا عن أسئلتها الصحافية الخمسة. وقد تجلّى هذا في سؤال الباحث والمحاضر في مركز "هرتسيليا"، دأروي غودلبرغ، وذلك في مقال نشره، مفاده السؤال "لماذا مهرجان الأنفاق الآن تحديداً؟".. ثم يتابع "إن الهدف ما زال غير واضح"، كما أن الإجابة أقل وضوحاً. 

ويتساوق ضمناً مع تساؤل غودلبرغ، عنوان صحيفة "معاريف" في عددها الصادر، الأحد، حيث كتبت: "عملية (درع الشمال).. السؤال الآن: كم ستستطيع إسرائيل الاستفادة من الكشف عن أنفاق حزب الله؟".

لكن محلل صحيفة "هآرتس" العسكري، عاموس هرئيل، بدا واثقاً أكثر من الهدف عندما اعتبر ان الهدف من كشف أنفاق حزب الله هو القيام بضربة افتتاحية تسبق السيطرة على مستوطنات في الشمال.

ورصدت "المدن" بعض القراءات الإسرائيلية التي بدت واقعية، وكان أبرزها ما قاله المحلل العسكري للقناة "العاشرة" ألون بن دفيد: "الرسالة التي التقطتها حماس وحزب الله أننا نخاف من التصعيد، كشف الأنفاق نجاح استخباراتي كبير، لكن الجيش اختار التعامل معها بضبط النفس، وبأسلوب صوتي". وتتناغم مع هذا التحليل، أصوات إسرائيلية ناقدة لطريقة التعامل السياسي والعسكري مع أنفاق حزب الله، فاعتبرت "أن إسرائيل باتت تشبه العرب في الإكثار من الكلام دون فعل"، على حد تعبيرها.

ووجد وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل افيغدور ليبرمان، ضالّته في "مهرجان الأنفاق" الذي سيمكث شهوراً، ليوجه انتقاداً لخصومه مِن اليمين الحاكم، وقال: "(درع الشمال) ليست عملية عسكرية، بل أعمال هندسية لا أكثر"، في محاولة للتقليل من حجم التباهي والتفاخر الصادرين مِن بنيامين نتنياهو وتسجيل العملية الهندسية في الشمال كإنجاز "مهم" له.

أما موقع "واللا" الإلكتروني، فقد ارتأى أن يصف ما يجري على الحدود الشمالية المتاخمة للبنان، بعنوان: "ضربة استباقيه ناعمة: حرب العقول بين حزب الله وإسرائيل". وكأن الموقع يريد أن يقول إن عملية "درع الشمال" ستعزز "الردع المتبادل" بالمحصّلة. وهو إقرار من إسرائيل من تلقاء نفسها بأنها ستبقى رهينة لقاعدة "توازن الرعب". ولعلّ الأخيرة سببٌ رئيس يمنع تل ابيب من الذهاب إلى الحرب الحتمية الآن.

حتى التصريحات الإسرائيلية التي حاولت أن تكون متشددة ضد لبنان، وتحذر من ان المعركة باتت وشيكة، لم تتجاوز قاعدة "تسخين التصريح.. لتشديد التقييد لحزب الله في المرحلة المقبلة". فعينُ إسرائيل تتعدى قضية الأنفاق المزعومة، لتكون مركزة على الهدف الأسمى، ألا وهو "الصواريخ الدقيقة" التي ينتجها حزب الله في لبنان، كما تدّعي.

إذاً، حرب "اجتثاث" أنفاق حزب الله هي جزء من حملة إعلامية أشمل وممهدة لخطوات دبلوماسية وسياسية، للجم ما تسميه إسرائيل "التموضع الإيراني" في المنطقة. ويبدو أن ما نشهده الآن هو ترجمة عملية لتحوّل الثقل الإسرائيلي لمواجهة هذا التموضع من سوريا إلى لبنان. ولأن استراتيجية "معركة ما بين الحروب" التي اعتمدت فيها على توجيه ضربات جوية وصاروخية لمعسكرات ومصانع تابعة لإيران على الأرض السورية، طيلة السنوات الأخيرة، لن تكون مجدية في الحالة اللبنانية لأنها تعني اشتعال حرب قد لا ترغب فيها الدولة العبرية، فكان لا بُد من استراتيجية على مقاس لبنان، وبوابتُها بالتأكيد "التحريض الإعلامي".

وها هي تتعاظم المعركة الاعلامية الدعائية من قبل إسرائيل وتريد أن توظّف انفاق حزب الله التي يتم اكتشافها كدليل واثبات امام المجتمع الدولي، لِما تقوله... فما هو مُؤدى هذه الحرب الدعائية وماذا ستحقق؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها