الأحد 2018/11/18

آخر تحديث: 12:18 (بيروت)

من خان شيخون إلى غزة: عروس سوريّة استُقبلت بالقصف

الأحد 2018/11/18
increase حجم الخط decrease
مبادرة فايسبوكية أطلقها نشطاء وأهل الخير في قطاع غزة لإحياء الأمل في قلب العروسين "الغزّاوي" فادي الغزالي وخطيبته السورية بعد تدمير الاحتلال لمنزلهما خلال العدوان على القطاع الأسبوع الماضي. كان يفترض أن يتزوجا في المنزل قبل أن تدمره اسرائيل، وهو ما اطلق حملة في "فايسبوك" و"تويتر" لمساعدة الثنائي على ترميم منزلهما، والتخطيط للاحتفال بزواجهما في وقت قياسي بعد ارجاء حفل الزفاف الى شهر ديسمبر المقبل. 

فادي الغزالي البالغ من العمر 21 عاماً، يؤكد لـ"المدن" أن خطيبته السورية (21 عاماً) وصلت الى غزة لأول مرة في الثامن من الشهر الجاري أي قبل نحو ثلاثة أيام من التصعيد الإسرائيلي سالف الذكر.
ويشير الى أن خطيبته (رفض تسميتها للإعلام) تمكنت من دخول غزة عبر معبر رفح البري من الجهة المصرية، بعد عامين متواصلين من المحاولات التي باءت بالفشل وهي مدة الخطوبة، على أساس أن يكون يوم الزفاف يوم الأحد الموافق 18 نوفمبر/تشرين الثاني. غير أنّ طائرة اسرائيلية كانت بالمرصاد لحلم العروسين، فدمرت شقتهما التي كانت ستجمعهما بعد أيام، ليل الإثنين الماضي.

إذاً، كُتب على السورية العشرينية أن تنتقل من عذابات حرب إلى أخرى.. مِن كيماوي النظام السوري الذي دفعها وعائلتها للهجرة قسراَ من خان شيخون في إدلب إلى الشام بعد جريمة الكيماوي المعهودة، لتسكن هناك مؤقتاً، ثم تواصل المسير لاحقاُ نحو غزة، طلباً لمستقبل أفضل ولو في قطاع مُحاصر ويواجه الحرب بين الفينة والأخرى.

ويقول زوجها "الغزاوي" فادي :"كنت في البيت ليلة القصف، فجاءنا تحذير بالإخلاء، وما أن خرجنا حتى وقع القصف بحق عمارة (الرحمة) بشارع العيون في غزة. عدنا ووجدنا الدمار، وقد طال كامل الشقة. كان معظمه في غرفة النوم".

وبالفعل، غزت موقعي فايسبوك وتويتر صورة تلخص الحكاية عندما أظهرت حجم الدمار الذي طال غرفة نوم العروسين، فيما يظهر في الصورة فستان العروس الابيض الذي تمكن من الصمود على جدار الغرفة، وقد كساه غبار الجدران المدَمّرة و المادة المتفجرة نتيجة الصاروخ الإسرائيلي.

هذا الحدث كاد أن يضطر فادي لإلغاء العُرس لأن كل التجهيزات (الشقة والفرش وبدلة العرس) التي كدّ في توفير المال والجهد لإنجازها، دمرها صاروخ احتلالي في لحظة، ولم يكن بالإمكان إن يجري العرس بعد أيام قليلة. 

لكن مبادرة نشطاء وخيّرين من أهل غزة، لقيت تفاعلاً كبيراً في فايسبوك وأنقذت الموقف، وفق ما يؤكده فادي الغزالي.

فبينما يتجه حفل زفافهما نحو الإلغاء بعد الدمار الذي حصل، كان مِن بين الغزيين مَن تضامن بقوة مع العروسين وأصروا على إعادة الأمل والفرحة إليهما في ذروة شعورها بالإنكسار والإحباط. ويبين فادي أنه بفضل هؤلاء "حاليا يتم ترميم البيت. وتم توفير العفش ولم يبقَ إلا القليل، وحددنا موعداً جديداً لزفافنا وذلك في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل".

ويعبر فادي عن فرحته التي تجددت، قائلاً: "بعد كل هالمعاناة أشكر كل من بادر لمساعدتنا وانقاذ حلمنا...أنا عاجز عن شكرهم.. وهذا أقل شيء. بفضلهم رجع الأمل".

وكان الغزّي فادي وعروسه السورية يأملان بغدٍ أفضل وأن يعيشا بأمن وأمان، كما خططا لذلك منذ اللحظة الأولى لولادة قصة الحب التي جمعتهما في فايسبوك، لتتعزز العلاقة بعد مجزرة الكيماوي في خان شيخون، ثم يطلب يدها من أهلها.

يذكر أن فادي خطب دون أن يلتقي عروسه وجهاً لوجه وبقي كذلك، طيلة هذه الفترة، حتى رآها لأول مرة على أرض الواقع حينما نجحت محاولة إدخالها من خلال المعبر إلى غزة قبل نحو عشرة أيام.

وحول سرّ معرفته بعروسه، يقول فادي أنها سورية الأصل، ولكن هناك صلة قرابة من جهة جدتها مِن أمها التي يعود أصلها إلى غزة، إذ تزوجت سورياً ذات يوم. ولهذا كان التعارف عن طريق الأهل ولكن عن بعد وعبر الشبكة العنكبوتية والإتصالات. 

ويتحدث فادي عن معارضة شديدة من قبل أهل خطيبته السورية في بادئ الأمر؛ من باب استحالة دخولها إلى غزة، وأن العلاقة لن تنجح بحكم الجغرافيا البعيدة. ويصف تلك الأجواء التي كانت تنتابه بـ"انها فترة معاناة كبيرة. لكن أنا وخطيبتي لم نيأس. وكنا ندرك أننا سنلتقي في نهاية المطاف ويتحول حلم اللقاء إلى واقع. وقد حدث".

وتطرق فادي إلى مشاعر خطيبته حينما دخلت غزة وقد استُقبلت بالقصف الذي طال منزلهما. "كانت خائفة. خرجت من حرب في وطنها إلى حرب جديدة في مكان قطعت مئات الكيلومترات من أجل الوصول إليه علّها تكون أكثر امناً. ثم بعد كل ذلك يُقصف المكان الذي عاهدنا بعضنا بأنه سيكون بداية الأمل!".

ووعد فادي بأن يكون حاضناً لخطيبته السورية التي تفرق المسافات بينها وبين أهلها فضلاً عن تعقيدات العبور، وأن يكون إلى جانبها سنداً لبناء مستقبليهما الموعود. 

تجدر الإشارة إلى أن فادي الغزالي يعمل في محل للحلويات يعود لعائلته، وكان قد تعرض هو الآخر للقصف والدمار في وقت سابق، ليعيدوا بناءه مجدداً. ولعل في ذلك تجسيداً لقصة إصرار من فادي ليست الأولى من أجل البناء والإستمرارية رغماً عن القنابل والصواريخ والمعوقات.

الواقع، أن حكاية دخول خطيبة فادي السورية إلى غزة ليست الأولى على مدار الحرب التي حلّت على بسوريا، فقد تمكن العديد من السوريين إما على شكل عائلات أو فرادى من الدخول إلى غزة بعد عام 2011 عن طريق الأنفاق، قبل أن يتم تدميرها من قبل الجيش المصري. ثم توقف دخولهم.

ولهذا يقول السوري وريف حميدو، (سبق أن سلطت "المدن" الضوء عليه كقصة نجاح في مجال الطبخ وتقديم البرامج التلفزيونية) أنه فوجىء بأن سورية دخلت غزة منذ فترة قريبة، وذلك بعد سنوات من إنقطاع دخول السوريين إليها. والمفاجأة الأكبر أنها دخلت عبر معبر رفح البرّي، في إشارة إلى أن ذلك يعتبر من المستحيلات.

ويقول حميدو لـ"المدن" إن دخول السوريين إلى غزة في السنوات الماضية كان عن طريق الأنفاق؛ ذلك لإستحالة أن يكون مرورهم  بشكل طبيعي ومُيسّر من خلال المعبر البري.
حميدو تزوج من "الغزّاوية" مها أبو الكاس التي جاءت إلى المطعم الذي يعمل فيه لإعداد قصة تلفزيونية عنه، لصالح محطة "فرانس 24"، ليكون "الحب من أول تقرير". وهو من بين اثنتي عشرة عائلة سورية خالصة بقيت في غزة حتى هذه اللحظة، عدا أن هناك أعداداً أخرى من السوريات اللاتي كن متزوجات من فلسطينيين، ثم جاؤوا الى القطاع قادمين من سوريا بسبب الحرب.

ويؤكد حميدو أن أعداد السوريين في غزة خلال السنوات الخمسة الأخيرة كانت أكبر، غير أن العديد منهم تمكنوا من الخروج باتجاه دول اوروبية؛ طالبين اللجوء الإنساني. 

ويوضح حميدو "كان هنا نحو 32 عائلة سورية. سافرت ست عائلات في 2015، بعد حصولها على لجؤ إنساني في السويد. كما تمكنت سيدة سورية من مغادرة غزة نحو السويد قبل نحو عام، فضلاً عن سفر عائلة سورية كاملة منذ نحو شهر إلى فرنسا. وأغلب هذه الحالات استخدمت جواز سفر فلسطيني منحتهم اياه السلطة في رام الله، وذلك بعد مناشدة لرئيسها محمود عباس.

كما تمكن شابان سوريان قبل شهرين من مغادرة غزة باتجاه لبنان، إضافة إلى خروج آخرين في أوقات سابقة.

تجدر الإشارة إلى أن مجموع العائلات التي جاءت غزة لاجئة خلال السنوات الأخيرة سواء من اليمن أو ليبيا أو سوريا وصل إلى 265 عائلة.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها