الخميس 2018/11/15

آخر تحديث: 17:11 (بيروت)

"المنار" تُحارب الفساد.. و"حزب الله" يحمي الفاسدين!

الخميس 2018/11/15
"المنار" تُحارب الفساد.. و"حزب الله" يحمي الفاسدين!
كيف يكون ممكناً كشف الفساد من دون فضح مرتكبيه والقائمين عليه؟!
increase حجم الخط decrease
تفتتح قناة "المنار" برنامجها الجديد "حقك تعرف" بالتذكير باهتمام "حزب الله" الكبير بملف مكافحة الفساد في لبنان، واعدة مشاهديها بأن يكون البرنامج القائم على فكرة الكشف عن مكامن الخلل والفساد، صوتاً للناس والصوت الذي يُحاسب السياسيين، ضمن منظومة "التناغم الاعلامي والسياسي والانمائي التي يواكبها الحزب".


تَعِدُ القناة بسقف عالٍ للنقاش وفتح المواضيع والملفات على مصراعيها، نظراً لأنها تُدرك "خطورة الوضع في لبنان، الذي يحتاج إلى تكاتف الجميع مع المواكبة السياسية اللازمة". وتنصّب نفسها كمعنية بتوعية الناس حول حقوقهم وواجباتهم بحسب ما يقررها الدستور والقانون في لبنان، كونها تعمل ضمن "سياسة تحريرية مناهضة للفساد وداعمة لبناء دولة المؤسسات"، على ما تقول.

ليس هذا مشهداً متخيلاً او سيناريو مفتعللاً، بل إن كل تلك المثاليات قدّمتها "المنار" في أولى حلقات برنامجها الجديد، وضمن ما سبقها من حملة ترويجية أوحت بأن "حقك تعرف" سيكون ساحة مشتعلة لمحاربة الفاسدين والمتورطين في إيصال البلد إلى حافة الانهيار على أكثر من صعيد، وصولاً إلى "ملاحقة السياسيين على باب الدار"، ومساءلتهم ومحاسبتهم.

للوهلة الأولى، يخال المتابع أنه سيكون أمام خطوة استثنائية وتصحيحية من قبل "حزب الله"، إن كان بأثر مما أعلنه أثناء الانتخابات الأخيرة، أو من خلال هذا البرنامج تحديداً، بالرغم من كل ما يعتري هذه الفكرة من شكوك بأنّها لا تعدو كونها مجرّد أمنيات وردية أو مؤشرات تخلق بصيصاً من الأمل. لكن مشاهدة الحلقة الأولى من "حقك تعرف" أطاحت تلك الأفكار كلها، بل وكل ما ادّعى البرنامج التزامه به، منذ اللحظة التي ذُكر فيها في البرنامج أنه لن يتطرق إلى ذكر أسماء الفاسدين ومن يقف وراءهم.

فكيف يكون ممكناً الكشف عن الفساد دون فضح مرتكبيه والقائمين عليه، تمهيداً لمحاكمة المتورطين به وردع المستمرين في ممارسته، من دون الإشارة إليهم بمراكزهم وأسمائهم، وتعريتهم وفضح أدوارهم؟! وكأنما الصفقات المشبوهة والفساد المستشري هي صفات وأفعال من دون أسماء. وأي منطق ذلك، الذي حاولت القناة التبرير له بأن التزام معايير الشرف الإعلامي يقتضي التعتيم على أسماء المتورطين بحجة عدم التشهير بهم، في حين أن دور الإعلام المسؤول يفرض فضح الفاسدين والإشارة إليهم بالأصبع بهدف إدانتهم أمام القانون والرأي العام؟!

كلّ ذلك يأتي مترافقاً مع السير على حواف القضايا والملفات من دون الغوص في العمق والتصويب المباشر والمطلوب، حيث ينتفي انسجام المضمون مع الأهداف. إذ عكست الحلقة الأولى أنّ البرنامج أفشل نفسه بنفسه، بدلاً من أن يكون نقطة انطلاق نقاش إيجابي وفعّال، بل أتى وكأنه محاولة لتبرئة الذات والاستعراض، والأدهى أنه يمثّل كل ما ينتقده أو يسعى لمحاربته.

انطلاقاً من هذا المنطق وهذا التبرير، يبدو التعتيم على الفاسدين واقعياً أكثر من الكلام عن محاربتهم، خصوصاً أن مسيرة "حزب الله" السياسية منذ بداية انخراطه في الحكم، لم تُشر يوماً بأنه كان معنياً بمحاربة الفاسدين، بل على العكس تماماً. إذ كان دوماً الحليف الأقوى لمعظم الجهات المتهمة بأبشع درجاته، التي تمارسه جهاراً نهاراً، والمعروفة من قبل الصغير والكبير، المواطن قبل المسؤول. بل ويعبر تحالفه مع الفاسدين حدود الوطن، إذ تُعتبر إيران، الممول الأساسي لـ"حزب الله"، واحدة من أكثر دول العالم فساداً، بحسب مؤشر "منظمة الشفافية العالمية" للعام 2018، كما أنها من أسوأ دول العالم في مؤشر "سهولة ممارسة الأعمال"، بحسب بيانات البنك الدولي. ناهيك عن الحليف الثاني الأقوى للحزب، وهو النظام السوري، الذي يتصدر دول العالم بمؤشر الفساد، إذ تعتبر سوريا الدولة الرابعة عالمياً، حيث تحلّ في المركز 173 من أصل 176 في مؤشر الفساد المذكور، وتعتبر النموذج الأكثر رعباً، لناحية كونها مرتعاً للفساد والفاسدين، إن لجهة الرشوة أو الواسطة أو لجهة المحسوبيات والاستزلام أو لجهة نهب الثروات الوطنية. عدا عن التصاق اسم الحزب داخلياً بفضائح الكبتاغون واشتهار المناطق التي تقع تحت سلطته بالتعدي على القانون وتجاوزه بكل أشكاله، دون نسيان التطرق إلى الأحكام والاتهامات التي توجّه إليه من عشرات الدول، بانخراطه بتبييض الأموال وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، وعلاقته مع أكثر المافيات خطورة عبر العالم.

لا لزوم هنا للخوض في تفاصيل البرنامج أو محتوى فقراته، إذ أنّ استحالة قبوله تقف عند رفضه من حيث الشكل. فلا يمكن لبرنامج مهما علا شأنه أن يغطّي على ما هو معروف وذائع من الممارسات اليومية والسياسات المتأصلة مع الفساد. كما أنه بصيغته التي عكستها أولى حلقاته، أتى كمحاولة للإيحاء بأن الحزب جديّ بالوفاء للوعود التي أطلقها في الانتخابات النيابية الأخيرة، ما أبعد عن "حقك تعرف" أي صلة بالعمل الصحافي الاستقصائي الحقيقي الذي يستوفي الشروط المهنية. بل جلّ ما يهدف إليه التخفيف من النقمة الشعبية التي ظهرت في مناطقه الانتخابية خصوصاً في البقاع، ما جعله يدّعي رفع لواء محاربة الفساد مجبراً، كنتيجة لهذه النقمة، وليس كتعبير عن يقين خالص وإرادة ناتجة عن رغبة عميقة بالاصلاح.

لا يشفع للحزب الزعم بتعففه عن المناصب والمراكز سابقاً وسوق هذه الحجة كدليل على نظافة الكف وعلو الكعب في النزاهة والشفافية. فلطالما كان الحزب ركناً أساسياً من صانعي القرار وصاحب السلطة التي تصنع وتحمي منظومة الفساد اللبناني بأكملها، وهو المتهّم الأول دوماً وأبداً في عرقلة تطبيق القانون في كل ما يمسّه ويخصّه. ولطالما كان إعلامه مشهوراً بذكر الأسماء وإطلاق النعوت والاتهامات جزافاً، والتي يأتي بها من كل حدب وصوب، دونما قرينة أو دليل، ضدّ كلّ من يعارضه في الرأي أو يخالفه في السياسة. فلما التلطّي وراء حجج المهنية والموضوعية عندما يتعلق الأمر بذكر المفسدين، الذين من المفترض أنّ لا أخلاقيات لهم ولا أخلاقيات في حمايتهم!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها