الثلاثاء 2018/11/13

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

الرقابة الإسرائيلية على الإعلام..منذ حرب تموز إلى عملية خانيونس

الثلاثاء 2018/11/13
الرقابة الإسرائيلية على الإعلام..منذ حرب تموز إلى عملية خانيونس
increase حجم الخط decrease
بعد حرب تموز 2006 على لبنان، شددت إسرائيل رقابتها العسكرية بشكل ملموس على الإعلام العبري بحيث بات أكثر تقييداً في عملية النشر أثناء الحروب والمواجهات والعمليات التي ينفذها الجيش في مناطق القتال، أو ضمن ما يُسميه "النشاط الأمني" عندما لا يريد أن يكشف الهدف من العملية الخاطفة، سواء في الداخل الفلسطيني أو سوريا أو دول عربية أخرى.

والمفارقة ما بين حرب تموز قبل 12 عاماً، واليوم، هي أن الإعلام الإسرائيلي أدى حينها دوراً مواكباً للتطورات الميدانية على الأرض، إلى درجة أنه كان يكشف حجم الأضرار المادية والبشرية التي خلّفتها صواريخ "حزب الله" إذا إصابت أهدافاً إسرائيلية، سواء في المناطق اللبنانية التي شهدت مواجهات برية مباشرة، أو في عمق الدولة العبرية، وهو ما شكّل رأياً عاماً إسرائيلياً ناقداً للمؤسسة الرسمية، ومُطالباً بالوقف الفوري للحرب، كما زاد التشكيك في كلام القادة الإسرائيليين أيام حرب تموز في الداخل الاسرائيلي.
ونتيجة تقييم تلك الحرب والإستفادة من دروسها، تشددت الدولة العبرية مع وسائل اعلامها خلال الحروب والعمليات العسكرية التالية، فلم يعد في مقدور الصحافيين الإسرائيليين الدخول إلى المناطق العسكرية كما كان متاحاً خلال الحرب على لبنان، وهو ما تأكد في حروب غزة الثلاثة الماضية. كما تشددت الدولة في التعاطي مع الصحافيين وإعطائهم المعلومات الكافية؛ بحجة أن نشرها يتسبب في أضرار ومخاطر أمنية وعسكرية وخاصة من ناحية الأهداف الآنية.

ولعل المثال الأبلغ، كان الكمين الذي نصبته "كتائب القسام" لرتل عسكري إسرائيلي، شرقي الشجاعية في غزة، أثناء حرب 2014، وأدى إلى مقتل أكثر من سبعة جنود، أحدهم سقط في يد الفلسطينيين (لم يُعرف إذا كان ميتاً أم ما زال على قيد الحياة). بقيت إسرائيل صامتة وقتها، من دون أن تؤكد رواية "القسام" أو تنفيها، حتى أقرّت بهذه الحقيقة بعد مرور أيام.

والحقيقة، أن تجدد الحديث عن الرقابة العسكرية جاء في أعقاب العملية التي نفذتها قوة خاصة إسرائيلية، شرقي خانيونس، ليل الأحد/الإثنين الماضي، والتي يُعتقد أن هدفها كان استخباراتياً بحتاً. لكن الغريب أنه، ورغم انتهاء العملية، واصلت الرقابة الإسرائيلية، لساعات طويلة، منع نشر اسم الضابط العسكري الرفيع الذي قُتل أثناء تصدي "القسام" للقوة الإسرائيلة، كما منعن نشر أي معلومات خاصة به والمنطقة التي يتحدر منها. 
والأغرب أنه، أثناء سريان التعميم الإسرائيلي بعدم النشر، كانت قرية الضابط هذا في صدد دفن جثمانه. ويتعاظم السؤال: ما الغاية من استمرار المنع، ما دامت العملية انتهت، وبات اسم الضابط مُتداولاً في مواقع التواصل الإجتماعي؟

وبينما سارع نشطاء إلى الحديث عن اسم وهوية الضابط القتيل، باعتباره عربياً ودرزياً، كان المضحك ما صرَّحت به عضو الكنيست الإسرائيلي، شيلي يحموفتش، عن الضابط، خلال فترة منع النشر، حينما قالت: "قانون القومية يعتبر المقدم م. الذي قُتل، مواطناً من الدرجة ب". إذ استشف الجميع، من حديث يحموفيتش، أن الضابط ليس يهودياً وأنه عربي.
وما قد نستنتجه من كلام يحموفيتش، أنها كشفت، عمداً أو عن غير عمد، جزءاً من السبب الذي دفع المؤسسة الرسمية الإسرائيلية إلى منع نشر اسم الضابط القتيل، ويكمن في فضح قانون "القومية" الذي أقرّه الكنيست. ففيما قد يشكل الضباط العرب رأس حربة في الجيش الإسرائيلي، ويُقتلون في العمليات والحروب، يمارس هذا القانون عنصريته بإعطائه الأفضلية لليهودي في كل شيء.

لكن الحقيقة أن هناك سبباً آخر، ريما يكون أمنياً، جعل إسرائيل تؤجل السماح بنشر اسم الضابط القتيل، وذلك لأنه ضابط في وحدة استخباراتية "سرية"، ودائماً ما يكون المنضوي في إطارها محاطاً بالكتمان الشديد، ولا أحد يعلم طبيعة عمله، حتى الدائرة العائلية أو الإجتماعية القريبة منه.

ويعزز ذلك أن القناة "العاشرة" نقلت عن عائلة الضابط القتيل، قولها "لم نكن نعلم ماذا يفعل في الجيش!".
ولم يقتصر منع النشر على اسم الضابط القتيل، بل طاول أيضاً أهداف العملية المنفَّذة في قلب مدينة غزة، وماذا كانوا يفعلون في مركبة من نوع "فولز فاغن" مجهزة بالطعام والشراب والمعدات وأسلاك الإتصالات وغيرها؟

وظهرت إسرائيل مرتبكة وأكثر عمومية في طريقة إطلاع الجمهور على ما جرى؛ بحجة عدم الإضرار بالأهداف العسكرية، وإن حاولت الإيحاء بأن القوة نجحت في تحقيق الهدف رغم المصاعب.
وما حدث للقوة الإسرائيلية الأكثر تدريباً وتميزاً على الإطلاق - كما تصفها تقارير إسرائيلية عديدة - لم يسبب صدمة أمنية فحسب، بل وإعلامية ايضاً. ذلك أن الحادثة تقوض دعاية إسرائيل في المنطقة حول قدراتها الإستخبارية والتكنولوجية العابرة للخيال، حتى أن هذا التفوق الاسرائيلي على مستوى المنطقة والعالم كان دافعاً ومحفزاً لتطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة.

ولهذا، ردّت الرقيبة العسكرية الإسرائيلية، الجنرال أريلا افراهام، على رواية "حماس"، عبر القول للإعلام الإسرائيلي: "لا ترددوا ما تقوله حركة حماس". 

والواقع، أن هناك جانباً آخر لتعرية إسرائيل بأثر من عملية خانيونس. فما حدث، أظهرها أمام المجتمع الدولي بصورة الناقضة للإتفاقيات، لا يُؤتمن جانبها ولا يُمكن الوثوق فيها. فبينما يتم التوصل إلى تفاهمات للتهدئة في غزة، عبر وساطات مصرية وقطَرية وأممية، لا تتردد إسرائيل في تنفيذ عملية أمنية، خلسةً وسراً وفي الظلام الدامس، عبر قوة استخبارية متخصصة، لولا أن "القسّام" تمكنت من كشف أمرها، بغض النظر عمّا إذا تحقق ذلك بالصدفة أم بالقدرة الإستخباراتية لـ"حماس".
وفي المقابل، شكّلت عملية غزة الأخيرة، انتصاراً إعلامياً لحركة "حماس" عموماً، وذراعها العسكرية "القسّام" خصوصاً. فالأخيرة قالت إنها كشفت "مخططاً عدوانياً كبيراً كان يهدف إلى خلط الأوراق".

ورغم عمومية بيان "القسّام"، كما هو حال البيان الإسرائيلي أيضاً، كون البيانَين لم يجيبا على العديد من الأسئلة. إلا أن الأولى بدت أكثر ارتياحاً من خلال سردها لوقائع ما جرى باعتبارها تكريساً لقوتها العسكرية والأمنية. فالكتائب استطاعت طرح نفسها كرقم صعب، والدليل كشفها لوحدة إسرائيلية مدرّبة على أعلى مستوى، وتصول وتجول في المنطقة العربية بيُسر وسهولة وبلا أي إعاقة.

كما كانت الحادثة بمثابة الرد ضمناً، من قبل الحركة، على خصومها في الداخل، أي حركة "فتح" والسلطة، عبر القول إن التهدئة والأموال التي تلقتها لم تُغيّر من نهجها، ولم تُبعدها عن "مشروع المقاومة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها