السبت 2018/11/10

آخر تحديث: 15:32 (بيروت)

"سايكو".. دليل إضافي على ضرورة اعتزال أمل عرفة!

السبت 2018/11/10
"سايكو".. دليل إضافي على ضرورة اعتزال أمل عرفة!
هي الكاتبة والمنتجة ومغنّية الشارة وتؤدي خمس شخصيات
increase حجم الخط decrease
للأسف لا يمكن وصف مسلسل "سايكو" للممثلة السورية أمل عرفة بأنه "جريمة فنية". فذلك الوصف، مهما كان قاسياً، يتطلب حداً أدنى من اللارداءة في العمل المقدم كي يبقى ضمن إطار الفن، بدلاً من محاولة افتعاله. فبينما كانت عرفة تسعى لتقديم نفسها كنجمة شاملة، حولت المسلسل، عن قصد أو من دون قصد، إلى أداة تروج به لنفسها، بدلاً من أن تكون هي، كفنانة، أداة تساهم في إنجاح المسلسل ككل.


ولعل الفارق الشاسع بين الفن كأداة أو الفن كغاية، هو ما يجعل المسلسل عصياً على التقييم لأنه ليس منتجاً فنياً بل محاولة لتسويق اسم عرفة الذي فقد بريقه القديم فقط. فشارة المسلسل على سبيل المثال تمتلئ باسم "أمل عرفة"، فهي كاتبة المسلسل والمنتجة له وهي التي تؤدي أغنية الشارة والتي تروي الأحداث في العمل بصوتها، كما أنها تجسد خمس شخصيات دفعة واحدة، من بينها شخصية مغنية تقدم أغنيات ضمن سياق الحلقات، من دون مبرر لكل تلك التخمة في إقحام عرفة قسراً على كل تفصيل يمر على الشاشة.

والحال أن المسلسل وجد طريقه للعرض في شاشة قناة "لنا" المحلية، بعد عامين من رفض المحطات العربية عرضه، وقد يكون ذلك دليلاً على أن القنوات العربية، مهما كانت رديئة في اختيار المحتوى الذي تقدمه مقارنة بالإعلام العالمي، إلا أنها تبقى محافظة على حد أدنى من المعايير التي لا تتنازل عنها. والمشكلة هنا أن عرفة طوال السنتين الماضيتين تعاملت مع تلك القنوات على أنها جزء من مؤامرة كونية على الدراما السورية، أو عليها شخصياً.

تجلى ذلك بانسحاب عرفة من لقاءات تلفزيونية عديدة خلال العامين الماضيين، فضلاً عن منشورات وتصريحات، هاجمت فيها الإعلام العربي، رافضة التفكير ولو للحظة في صحة الافتراض بأن ما تقدمه في العمل ليس جيداً. ولعل ذلك الغرور هو ما يجعل من عرفة غير قادرة على تقديم مستوى فني جيد، مثلما كانت عليه في بعض أدوارها خلال تسعينيات القرن الماضي (دنيا، خان الحرير..)، حيث يظهر جلياً مما تقدمه في "سايكو"، أنها تتعاطى مع نفسها كورقة رابحة أو "جوكر"، وهي صفة قاتلة لأن الخوف والشك بالذات والرهبة من الفشل قد تكون صفات مشتركة عند جميع الفنانين الناجحين.

والحال أن العمل بعد مرور أكثر من عشرين حلقة عليه، يخلو من الإضحاك، رغم أنه مصنف كعمل كوميدي ممتزج بالأكشن. فالقصة نفسها مكررة من كليشيهات السينما العربية، حيث تهرب صحافية "وطنية" (عرفة) من عصابات الفساد بسبب امتلاكها لوثائق خطيرة، لكن ضياع الوثائق المسجلة على "CD" يجعل الكل في رحلة مطاردة متعددة الأطراف، خصوصاً أن عصابات الفساد منقسمة على نفسها أيضاً.

وتشكل هذه القصة الساذجة الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الكوميديا، عبر بقية شخصيات عرفة في المسلسل. فإلى جانب دور الصحافية "وصال"، تلعب عرفة شخصية أختها التوأم دلال، وشخصية عمتيها حكمت وناجية، وجدّتها نجدت! وكلها شخصيات لا تختلف عن بعضها البعض في طريقة الأداء والحديث، كما لا يخفي الماكياج ملامح عرفة الأصلية لخلق شخصيات متباينة عن نفسها شكلياً، ويصبح المشهد أقرب إلى حفلة "هالووين" انحرفت عن مسارها نحو كارثة محزنة ضمن فيلم سينمائي منخفض الكلفة من الثمانينيات.

وإذا كانت عرفة تظن نفسها موازياً للنجمة الكندية تاتيانا ماسلاني، بطلة سلسلة "أورفان بلاك" التي تجسد أكثر من 20 شخصية دفعة واحدة بدرجة لا تصدق من الإبهار، إلا أن واقع المسلسل يثبت أنها اسم شغف بالظهور مع انحسار الأضواء عنه في السنوات الأخيرة.

فشخصية ناجية على سبيل المثال، هي الخط الذي ينقل أحداث العمل إلى بيروت، لكونها مغنية تعمل في أحد الملاهي الليلية، ورغم أن الشخصية تمتلك لدغة في لسانها إلا أن تلك الخاصية تختفي فجأة، في الوصلات الغنائية التي تقدمها الشخصية، كفواصل غير مبررة إلا لإظهار "نجومية" عرفة كمغنية "جريئة" يتهافت عليها المعجبون.

بناء الكوميديا في العمل غير مفهوم، فكل النكات في العمل تنتهي دائماً بكلمات تقال باللغة الفصحى، وكأن الصراخ المفاجئ بكلمة "توقف" يجب أن يثير موجة من الضحك لدى الجمهور. وهناك الإيحاء بوجود علاقة مثلية بين شخصيتي أبو النور (أيمن رضا) وبهاء (علاء قاسم)، وهي مهينة للمثليين بالنظر الى انها استخدمت كنكتة عبر إثارة عنصر "الاشمئزاز" لدى المتلقي. كما أن اللغة البذيئة التي تستخدمها الجدة نجدت تبقى محاولة ساذجة للإضحاك، حتى لو تمت التورية عليها بقليل من التشويش الأكثر إزعاجاً من البذاءة نفسها.

مشاكل العمل تتوالى في بقية الشخصيات التي يؤديها ممثلون مثل أيمن رضا وفادي صبيح، اللذين يكرران أدواراً سابقة لهما من مسلسلات ناجحة، مثل شخصية أبو ليلى التي أداها رضا في مسلسل "أبو جانتي"، أو شخصية سلنغو التي أداها صبيح في مسلسل "ضيعة ضايعة". كما تتمدد النمطية نحو بناء الشخصيات، كالصحافية المسترجلة أو المغنية اللعوب والرجال اللبنانيون (ماريو باسيل، طارق تميم)، وغيرها من الصفات التنميطية والزاخرة بالكليشيه، والتي تكررها الدراما السورية في الكثير من مسلسلاتها، وتحديداً في الكوميديا التي تستخدم عموماً كأداة للحكم على الأنماط والخيارات الشخصية، بوصفها عنصراً غريباً يستحق التوقف عنده من أجل الضحك عليه.

إلى ذلك، يطرح العمل نفسه كدراما مواكبة لفترة ما بعد الحرب في سوريا، لكن تفاصيل المأساة السورية، والقادرة على خلق دراما وكوميديا لسنوات كثيرة مقبلة، تغيب بالمجمل عن العمل، باستثناء الخطب المباشرة العصماء عن حب الوطن والصحافة الحقيقية وخيانة اللجوء والرحيل من البلاد "لأنها ليست فندقاً". ويحاول العمل خلق وهم بأنه يسعى لتجاوز الخطوط الحُمر سياسياً. فما إن تبدأ الشخصيات حديثاً ما حول البلاد والحرية، حتى يتم إسكاتها فوراً بصفعة يُسمع صوتها ويُشاهَد أثرها في وجوه الشخصيات المتحدثة، من دون مشاهدة اليد التي تقوم بالضرب. ولا يشكل ذلك اعترافاً بوجود رقابة على حرية التعبير في البلاد فحسب، بل خضوعاً للسلطة وتماهياً معها لأن العمل أصلاً يكرر كليشيهات الإعلام الرسمي في هذا السياق.

في ضوء ذلك، يصبح العمل، بوصفه التحفة التي حلمت عرفة بتقديمها للجمهور وحاربت "عصابات" الإعلام العربي من أجل عدم التنازل عن قيمته الفنية، دليلاً إضافياً على ضرورة اعتزال عرفة للتمثيل، وهي أمنية عبّرتُ عنها في مقال سابق، لأنها في صورتها الحالية التي يعكسها "سايكو" ليست أكثر من خيبة أمل عميقة لمن تبقى من جمهورها، وهو ما يمكن تلمسه بسهولة من التعليقات العامة على المسلسل في مواقع التواصل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها