ما تتعرض له يعقوبيان، أقل ما يُقال فيه أنه محاولة اغتيال بالكلمة، من متكالبي وورثة النفَس الالغائي وتركة أنظمة الوصاية، والذي يستمرئون مسح الجوخ للديكتاتوريين، مشكّلين في حد ذاتهم الخطر الأكبر على حرية التعبير، من خلال ممارستهم الترهيب والتهديد وتضييق الحصار على الصحافيين والناشطين والمواطنين، الذين يعبرون بكلمة أو صورة عن اعتراضهم أو عدم رضاهم عن كيفية تسيير أمور الدولة والتعامل معها. تلك الحملة ترافقت مع ازدياد موجة الاستدعاءات والتوقيفات والتحقيقات، والتي أتت كلها على خلفيات التعبير عن الرأي ليس إلا.
وكل ما تواجهه يعقوبيان يندرج في سياق هذه الحملات التي دأب عليها العهد منذ بدايته، لكن الاختلاف في الأسلوب هنا، هو التركيز على الهجوم الكلامي، كون المستهدفة نائبة في البرلمان وصاحبة حصانة. لذا فالتعرّض إليها واغتيالها معنوياً وشعبياً هو السبيل الأمثل، الذي انتهجه هؤلاء في التعامل معها.
يعقوبيان كانت قد عبّرت عن تعجبها لعدم انتهاج مهاجميها مبدأ الرد ومواجهة الموقف بالموقف، وهو الأسلوب الذي بات واضحاً الافتقار إليه لدى مؤيدي العهد ومناصري التيار البرتقالي، كونهم اشتهروا بتضييع الحقيقة وطمس معالمها، وإلقاء الغموض والالتباس ومغمغة أي مسألة تشير إليهم بالأصبع وتصوّب على مكامن الخلل في أدائهم وأسلوب تعاطيهم. وهو ما تنتهجه أيضاً وسائل الاعلام التابعة لهم والدائرة في فلكهم، حيث تنتحر على منابرهم الموضوعية وتوأد الحقائق وتستبدل بالشعارات الفارغة والباس أثواب الطهارة والقداسة والتنزّه، والارتقاء من الأخطاء عند قياداتهم ورموزهم.
ولم يوفّر موقع "التيار" يعقوبيان من هجومه، إذ نشر مقالاً اعتبر فيه أن إنجازات المرأة في خطر، محذراً من أن نضالات المرأة اللبنانية "تكاد تطيحها بولا يعقوبيان" وأن "العراضات الإعلامية والفقاعات الكلامية لا تحوّل النائب يعقوبيان بطلة لدى الرأي العام بقدر ما تثير اشمئزازه واحباطه بأن من خرجت من رحم الناس ليست على قدر المسؤولية، ما يؤخر التغيير المرتجى لوصول أكبر عدد ممكن من النساء الى مواقع القرار متى فُقِدت الثقة الشعبية بها، كونها لم تشكل استثناء عمّا هو وجود".
التقليل من احترام المرأة واحتقارها والطعن في شرفها، خصوصاً العاملة في الشأن الإعلامي، بات أمراً معهوداً لدى قياديي التيار ومحازبيه ومناصريه. إذ سبق للنائب ابراهيم كنعان، أنّ صبّ سيلاً من شتائمه على الإعلامية غادة عيد، على الهواء مباشرة، طاعناً بشرفها وقائلاً لها "اجري أنضف منك ومن برنامجك" و"انا بعرف وين كنتي يا بلا اخلاق".
التصويب على بولا يعقوبيان يهدف بشكل أساس إلى عدم تمكينها من رفع صوتها ضدّ العهد وفضح ممارسات أزلامه، وإلقاء الضوء على الفساد ونفي خرافة الانجازات التي باتت تتردد على أكثر من لسان. عدا عن كون استهدافها يأتي مخافة تكريس كسر لوائح السلطة من قبل المجتمع المدني، الذي كاد أن يحقق اختراقاُ في الانتخابات البلدية العام 2016، وتم الاعلان عن فوزه بمقعدين في الدائرة الاولى لبيروت في الانتخابات النيابية الاخيرة، لتعود السلطة وتعلن عن تغيير في النتائج حصل في اللحظة الأخيرة. أما القاعدة الواضحة والمسلّم بها، فهي محاولة إسكات وكتم أي صوت محقّ تتصاعد شعبيته ويلتف الناس حوله، ما يكثف من محاولات السلطة بكسر أي رمز يفتح نافذة للأمل بالتغيير الحقيقي.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها