الثلاثاء 2018/10/30

آخر تحديث: 18:55 (بيروت)

جورج غانم.. آخر ضحايا "منّا وجر"

الثلاثاء 2018/10/30
جورج غانم.. آخر ضحايا "منّا وجر"
increase حجم الخط decrease
بعد 39 عاماً في العمل الإعلامي، امتنع خلالها عن المشاركة أو الظهور في أي مقابلة أو حوار تلفزيوني، حلّ الإعلامي، جورج غانم، مساء الإثين، ضيفاً في برنامج "منا وجر"، في حوار كان من المفترض أن يُشكّل سبقاً تلفزيونياً، يُضفي على الحلقة جواً وطابعاً استثنائياً ومتميزاً، ويتيح لمشاهدي ومتابعي البرنامج أن يتعرفوا إلى ملامح من شخصية وأفكار ومواقف غانم تجاه أمور وقضايا متعددة ومتنوعة، خصوصاً تلك المرتبطة بفكرة "منا وجر" القائمة على انتقاد أداء ومضمون ما تقدمه القنوات التلفزيونية اللبنانية، بدءاً من "إم تي في" نفسها.


المقاربة السطحية لمقدم البرنامج، بيار رباط، في محاورته لغانم، فوتت على البرنامج وعلى المشاهدين فرصة كانت الاطلاع على مسيرة الإعلامي المرموق، للاستفادة من تجربته العريقة في العمل التلفزيوني والوثائقي، خصوصاً أن غانم يُعتبر بالنسبة للكثيرين صاحب مدرسة رائدة في هذا المجال، ما فوّت على رباط أن  يستغل هذا الـ"سكووب" بشكل متكامل، لا أن يكتفي بمجرّد ظهور غانم في برنامجه.

ناهيك عن أنّ المقدمة التي سبقت المقابلة كشفت عن عدم التحضير الجيّد لها، فتخللتها مجموعة من الأخطاء، ما اضطر غانم لاحقاً للتدخل وتصحيح أكثر من معلومة، بعدما ذُكر في المقدمة أن عمله في الاعلام بدأ منذ 33 عاماً، في حين أنّ تجربة غانم الإعلامية بدأت منذ حوالي الاربعين عاماً، حيث كانت انطلاقته من خلال عمله في إذاعة "لبنان الحر" العام 1978، قبل أن ينتقل إلى قسم الأخبار في "المؤسسة اللبنانية للإرسال".

ضعف الإعداد وغياب المتابعة، انعكس في محاور الحلقة كلها، إذ بدت غالبية أسئلة رباط عشوائية وسريعة وتفتقر إلى العمق والتصويب الصحيح، رغم الإدراك بأنّ طبيعة البرنامج لا تتيح الحوار المطوّل والأسئلة المتشعبة والجدية المبالغ فيها. إلا أنه بدا واضحاً للمتابع بأن المقابلة لم تستطع مقاربة الحدّ الأدنى من المتوقع أو المطلوب. إذ كان من المفترض أن يكون مستوى الأسئلة والأداء جامعاً للنمط الخفيف المصحوب بالطرح الذكي والمباشر للأسئلة، من خلال إمكانيته التصويب على نقاط مهمة وأساسية. كما أنه كان من الواجب إقحام غانم في النقاش النقدي للبرامج التلفزيونية وما تعرضه القنوات اللبنانية، إضافة إلى أسلوب معالجة القضايا التي تشغل الناس في مواقع التواصل.

المقابلة مع غانم أبرزت مجموعة من مكامن الخلل المتعلقة ببرنامج "منا وجر"، عقب انطلاق الموسم الرابع منه مطلع الشهر الجاري. ورغم أن البرنامج يحظى بنسبة مشاهدة عالية، إلا انه لا يمكن إخفاء تفاقم الثغرات في صيغته وبنيته، التي تبرز وتتراكم من موسم لآخر. هذا الامر يساهم في فقدان "منا وجر" طابعه وهويته، خصوصاً في ما يتعلق بفقرة الضيوف وأسلوب محاورتهم، لجهة افتقاد النوعية والتمايز، إذ تجنح إلى التركيز في معظم الأوقات إلى اعتماد أسلوب الحوار الدعائي والترويجي مع الضيوف من الشخصيات السياسية والإعلامية والفنية، ما يُفقد البرنامج صبغته الاساسية القائمة أساساً على فكرة النقد.

ورغم أنّ "منّا وجر" لم يُرَد له منذ البداية أن يكون برنامجاً ذا طابع جدي، بل يميل إلى الترفيه في المقام الأول، ولتقديم النقد في قوالب خفيفة يغلب عليها أسلوب السهل الممتنع، إلا أنّ أهم ما يميّزه، وقبل أي شيء، نوعية الشخصيات والأسماء المشاركة فيه، مثل دوللي غانم وغسان الرحباني وانطوان كسبيان ومنى صليبا، والذين انضمّ إليهم في الموسم الجديد سلام الزعتري وكميل سلامة. وهذه الأسماء، بكل ما تختزل من خبرات واحترافية عالية كلّ في اختصاصه، تبرز فداحة المشكلة الأساسية المتمثلة بعدم إفساح المجال والوقت الكافي لهم لمناقشة ومعالجة الأفكار المهمة التي تطرح للنقاش، من دون أن تستوفي حقها، حتى في إبراز مختلف وجهات النظر. ولذلك فهي حوارات عالقة ومبتورة أغلب الأحيان، جراء مقاطعات بيار رباط واستعجاله للقفز فوق كل الحوارات لصالح الشروع في الفقرة التالية، ما يوقع المشاهد في الضياع، ويترك لديه انطباعاً بأن البرنامج لا يعدو ملء الوقت واللهاث خلف نسبة أعلى من "الرايتنغ".

كان بمقدور الموسم الجديد من "منا وجر" أن يكون ناجحاً بكل المقاييس، لو أنه سعى لتطوير تجربته بدلاً من تكرار أخطائه، الأمر الذي كان ليجنبه الوقوع في فخّ الشعبوية، والركون إلى السطحية وتكرار الكليشيهات المعهودة. إذ أن هذا النوع من البرامج، يحتاج أن يتمتع مقدمه بمستوى مرتفع من الذكاء وسرعة البديهة، المشوبة بالحنكة وخفة الظل. في حين أن نمطيته كرّست في معظم فقراته طغيان الثرثرة التي لا طائل منها ولا تأثير لها.

كما أنه من المستهجن جداً تهميش المشاركين وعدم إبراز دورهم في البرنامج بشكل فاعل، في حين أن المقدّم يحتلّ الحيّز الأكبر من وقت البرنامج  ويحتكر المايكروفون والكاميرا. وهذا ما يخلق جواً يستحيل فيه التناغم بينه وبين شركائه في البرنامج، ويضيف إشكالية أخرى، تدفعنا إلى التساؤل عن جدوى ووظيفة مشاركة هذا الكم من النجوم والوجوه في هذا البرنامج، وهل يرجع السبب إلى رغبتهم في عدم الانقطاع عن الظهور أمام الناس، أم هو سبب مادي بحت، أم الاثنين معاً؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها