الجمعة 2018/10/19

آخر تحديث: 19:21 (بيروت)

الخديعة.. كيف تلاعب "فايسبوك" بالصحافيين؟

الجمعة 2018/10/19
الخديعة.. كيف تلاعب "فايسبوك" بالصحافيين؟
أوهام مستقبل الفيديو يستند الى ارقام مشكوك بها
increase حجم الخط decrease
حرصت إدارة "فايسبوك" خلال السنوات الخمس الأخيرة على ضرورة إقناع كل المؤسسات والأفراد في قطاع الإعلام والصحافة بالتحول من إنتاج المحتوى المكتوب إلى الفيديو.


لم تترك الشبكة الزرقاء وسيلة للاقناع بأن "الجمهور عايز كده": أرقام الـReach تؤكد ذلك. فالدورات التي أقامتها بالشراكة مع منظمات وجمعيات التدريب عبر العالم تعزز حاجة الصحافيين، كناشرين إلكترونيين، إلى اللحاق بالمستقبل حتى لا يقعوا في ما وقع فيه اصحاب الصحف الورقية. ثم انتظر الصحافيون تطوير المنصة الخاصة بالفيديو التي ستنافس "يوتيوب" وتقدم ميزات افضل كمنتجي فيديو، قبل أن تعلن فايسبوك نفسها أنها تتجه لتمويل إنتاجات ضخمة تنافس فيها صنّاع الـ VOD  (Video on Demand).

منظومة كاملة من البيانات المتدفقة والإحصاءات اليومية وإعلانات الحثّ على تعلم صناعة الفيديو، نشرتها وسائل الاعلام وتوجه الصحافيين نحو هدف واحد: إعتماد الفيديو.

إحدى الإحصاءات الشهيرة الصادرة عن هيئة مراقبة للإنترنت في الولايات المتحدة توقعت أن يحتل الفيديو أكثر من 70% من نسبة المحتوى المتداول بين مستخدمي الهواتف الذكية بحلول العام 2019.

نتج عن هذا الدفق المركّز موجة عالمية أدت إلى إنشاء منصات فيديو مستقلة ضمن كبرى وسائل الإعلام العالمية. وهكذا صارت أهم القصص والمواضيع تُعالج بمواد مرئية لا تتخطى الدقائق القليلة. وجد أصحاب مدرسة النشر التقليدي أنفسهم أمام هوة جديدة. فهُم، وإن إنتقلوا إلى الصحافة الإلكترونية مرغمين، إلا أنهم هذه المرة مطالبين بالتخلي عن مدرسة التحرير بأكلمها لصالح المعالجة البصرية التي تتضمن بضعة أسطر تمر سريعاً كتعليقات على المادة المصورة، وتختزل أبعاداً وجوانب عديدة.

ولكن، هل تغير فعلاً سلوك "المستهلكين" إلى هذا الحد؟ هل استغنى الجمهور عن القراءة؟ هل إنتفت الحاجة للأبحاث والمقالات والتحليلات والأفلام الوثائقية ما دامت فيديوهات "الوجبات السريعة" تسيطر على المشهد الإعلامي؟

في نيسان/ابريل 2016، قاد مارك زوكربيرغ المستخدمين إلى كمين محكم بتحديده مهلة خمس سنوات مقبلة قبل أن يحتل الفيديو المحتوى بأسره في "فايسبوك".

كرر مدراء "فايسبوك" التنفيذيون هذا الكلام الموثق في أكثر من مؤتمر في قارات العالم المأهولة.

في أيلول/سبتمبر 2016، نشرت "وول ستريت جورنال" تقريراً يكشف أن "فايسبوك" أخطأ في تقدير أرقام وإحصاءات الفيديو في منصته لأكثر من عامين. أصدرت "فايسبوك" يومها منشوراً في مدونتها الرسمية تعتذر فيه "بعد إكتشاف هذا الهامش" في المبالغة، زاعمة أنها أصلحت مقاييس احتساب مشاهدة الفيديو عبر منصتها.

لكن مجموعة من المعلنين في كاليفورنيا قرروا رفع دعوى قضائية معتمدين على وثائق داخلية يتهمون فيها "فايسبوك" أنها كانت تعلم بشأن هذه المبالغة. تتضمن الدعوى تفاصيل مثيرة موثقة بالأرقام لعدة نماذج عملية على حجم المبالغة في تقدير أرقام مشاهدات الفيديو.

في العام 2017، بلغ مدخول "فايسبوك" من الإعلانات وحدها نحو 40 مليار دولار؛ أي ما نسبته 98% من مجمل أرباحها. هذا الرقم يفسر سبب تركيزها على الفيديو، فإعلانات الفيديو أعلى سعراً بأضعاف من أي إعلان اخر.

والحال، رسمت العديد من المؤسسات الإخبارية والإعلامية سياسات التطوير لديها بناءاً على قاعدة أن مستقبل الإستهلاك الإعلامي هو للفيديو بناءً لأرقام مشكوك بها. وبالتالي فقد ساهمت هذه المؤسسات بغير علم منها في التسطيح والتسخيف والإختزال، فضلًا عن التحولات في مواردها البشرية نتيجة التوجه نحو إستقطاب مهارات محددة للعنصر الشاب العارف بالتقنيات على حساب خبرة المخضرمين في الصحافة.

واعتاد المستهلكون في نظام العولمة الرأسمالية على إستهلاك ما تزرعه الإعلانات والدعايات من إيحاء بالمستهلكين. تفوقت فايسبوك على هذه الطريقة التقليدية، فحولت الجمهور إلى صنّاع الإعلان وإلى مستهلكيه، فاندفع الجميع للترويج لسلعة "الفيديو" على حساب كل القوالب الإعلامية الأخرى، ثم استهلكت هذه السلعة حتى حد التفاهة.

في الواقع، أثبتت "فايسبوك" أنها من أهم أدوات السيطرة على سلوك البشر، بعد أن كان الجدل سابقاً في تأثيرها المتراكم عليه. الحقيقة أن "فايسبوك" مع كل تقنيات الذكاء الصناعي المرعبة التي تطورها باتت تصنع إدراك المستهلك، وتوجهاته وسلوكه، ولا تؤثر عليها فقط. وينطبق على ما تقدم أن مستخدمي فايسبوك، أمام واقعٍ شبيه بفيلم خيال علمي داخل مصنع يُنتج ملايين الروبوتات الخاضعين للتحكم من قبل المُصنّع.

ولا يعد فايسبوك وحده المسؤول عما وصل إليه الحال في القطاع الإعلامي. فهو شريك بل منافس لشركات مثل "غوغل" على فرض السيطرة على المستهلكين. وعليه، فإن الصحافيين هم بأمسّ الحاجة لوضع حد للنزيف الإعلامي وإعادة الإعتبار لمدرسة النشر القديمة (من دون أن يعني ذلك استبعاد التقنيات الحديثة). فهم بحاجة إلى إعادة تشكيل "مطبخ التحرير" وجلساته والسعي وراء المعلومة التي لا يطالها مغردو تويتر، ويضطرون معها لمتابعة الصحافة الأصيلة لا تلك التي اصطنعتها شركات الإعلان الإفتراضية.

في الخلاصة، لا دليل علمياً فعلياً على أن "الجمهور عاوز كده"! ولا دليل على أن كلفة وآلية إنتاج الفيديو هي نموذج الأعمال الأفضل للصحافة، بل هناك إشارات إلى أن حنين الناس إلى النص في تزايد.

قد يختلف الحال بين بلد واخر، بحسب ما تُبرز أرقام دراسات المراكز الإعلامية المتخصصة كـ"رويترز"، ولكنّ السلوك البشري متشابه في النهاية، وإن احتاج إلى زمن أطول ليتبلور بين مجتمع واخر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها