الخميس 2018/10/18

آخر تحديث: 16:47 (بيروت)

كانييه ويست.. العم توم الجديد

الخميس 2018/10/18
increase حجم الخط decrease
يطلق مصطلح "العم توم" على كلّ رجلٍ أسمر البشرة يخون أبناء عرقه وطبقته، وكل مستعبدٍ يمنح ولاءه لسيده الأبيض. كثيرون حملوا هذا اللقب منذ أن جسّد الممثل سامويل ل.جاكسون شخصية توم، العبد الأسود الذي يضع مصالح سيده أمام مصالحه الخاصة، في فيلم "كوخ العمّ توم". 
أما اليوم، فقد إستحقّه مغني الراب كانييه ويست، لكن هذه المرة في الحياة الواقعية حيث داس المغني على قاعدته الشعبية، المؤلفة من ملايين الأميركيين من أصولٍ أفريقية، بإعلانه مناصرة الرئيس ترامب. 

فالمغني الذي يعدّ نفسه فيلسوفاً، أخذ يطلق تصريحاتٍ نارية منذ نيسان/أبريل الماضي، فعبّر في البداية عن دعمه للرئيس ترامب، ثم ألحق هذا الموقف بدعوةٍ إلى إبطال التعديل الثالث عشر على الدستور الذي ألغى العبودية في القرن التاسع عشراً، معتبراً أن "العبودية خيار". 

وخلال الأسبوع الفائت، إجتمع ويست مع الرئيس دونالد ترامب في لقاء عملٍ كان حافلاً بالمديح والمجاملة، مع إرتداء ويست قبعة تحمل شعار ترامب "إجعلوا أميركا رائعة مجدداً"، وهي قبعة رمزت في الآونة الأخيرة إلى الفوقية البيضاء والتمييز العنصري.

لقاء العمل الذي جمع ترامب، ويست وجيم براون (لاعب كرة قدم أميركي من أصول أفريقية)، كان للتباحث في موضوع العدالة الجنائية وإصلاح السجون، وهي مسألة تمسّ المجتمع الأميركي الأفريقي قبل غيره، مع إستمرار تمييز نظام العدالة الأميركي بين السود والبيض، كما يقول ناشطون أفارقة. 

لكن ترامب لم يستضف خبراء، او باحثين أو ممثلين عن المجتمع المدني، ولم يجد من هم أكثر كفاءةً، لتمثيل مصالح هذه الفئة والتعبير عن مطالبها، من نجمين ملوّنين يؤيدانه، أحدهما "رابر" والآخر لاعب كرة قدم. وهي ليست المرة التي يستقبل فيها النجوم بدلاً من مسؤولين للتداول في الشؤون السياسية والأمنية، وقد كانت كيم كارداشيان (زوجة ويست) قد سبقته إلى لقاء ترامب في الشهر الفائت للحديث في الموضوع نفسه. 

أمام الكاميرات، لم يتطرّق الرئيس وضيفيه لموضوع اللقاء. في المقابل، إنطلق ويست في مونولوج سريالي طويل، مليء بالثرثرة السفسطائية حول أمور فلسفية مثل "العوالم البديلة"، و"الكون اللامتناهي"، والوعي الإنساني. ليتحف الصحافيين أخيراً بإقتراحه بناء طائرة جديدة باسم "iPlane 1" تستبدل الوقود بالهيدروجين. 

في السياسة، وبعيداً من الإبتكارات العلمية والخيال الفلسفي، هاجم ويست الحزب الديموقراطي معتبراً أن "دولة الرفاهية الديموقراطية قضت على الأسر الأميركية الأفريقية". أما عن تأييده لترامب بدلاً من هيلاري كلينتون، فأرجعه ويست إلى إنفصال والديه ما أدّى إلى ترعرعه "في بيتٍ يفتقد للطاقة الذكرية"، وكذلك الأمر بالنسبة لأسرة زوجته المؤلفة من نساءٍ حصراً.

بالتالي، فإن حملة "أنا معها" المؤيدة لكلينتون لم تحاكِ حاجة ويست للصورة الأبوية و"حرمانه من اللعب مع أبيه". أما ترامب، فقد جعله يشعر وكأنه سوبرمان، "البطل الخارق الأحب إلى قلبي".

لعلّ ويست لا يدرك كمية النكوص الطفولي في حديثه. فهو إختزل معركة بلاده السياسية وحصرها بحاجته للأب المفقود. لكن المفارقة هي أن ترامب لا يستطيع، تحت أي مسمى، أن يكون أباً لأصحاب البشرة السمراء. هذه الحقيقة يبدو ويست غافلاً عنها مع تلهفه للحصول على الإنتباه والتأييد، أياً كان مصدرهما، وكأنه طفل يتيم.

وخلال ما كان يفترض به أن يكون "لقاء عمل"، ذكر ويست أنه تمّ تشخص إضطراب ثنائي القطب لديه، إلا أنه أنكر هذا التشخيص وعزا عوارضه النفسية إلى نقص النوم. والحقيقة هي أنه لا يمكن إستبعاد حالة ويست الذهنية غير المستقرّة كسبب لمواقفه الجدلية وغير المنطقية، إبتداءً من إعلانه عن رغبته للترشّح إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2020، وصولاً إلى قراره بإصدار كتاب فلسفي، مروراً بالمئات من التغريدات اليومية حول حال الكون والبشر. 
حتى ترامب، أيقونة الجدل الإعلامي، جلس صامتاً أمام سيل الكلمات العشوائية التي خرجت من فاه ويست. وفيما يعتبر البعض أن هذيان ويست ليس سوى محاولة بائسة لإبقاء إسمه في عناوين الصحف، يرى آخرون أن هذه الهلوسات هي عوارض حقيقية متنكرة بزيّ الآراء السياسية. 

لكن خلف ذلك، يبقى أن هذه المغازلة لم تكن بين رجلين يفرّق بينهما اللون والإنتماء العرقي، بل بين ثريين تجمعهما الطبقة الاجتماعية، والتي يبدو أنها رابط أكثر قوة ومتانة من أي شيءٍ آخر يربط ويست بأصوله الأفريقية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها