الخميس 2018/10/18

آخر تحديث: 19:46 (بيروت)

تسجيلات صديق خاشقجي: هكذا تُسكتُ السعودية منتقديها

الخميس 2018/10/18
تسجيلات صديق خاشقجي: هكذا تُسكتُ السعودية منتقديها
increase حجم الخط decrease
شغّل الناشط السعودي المعارض، عمر عبد العزيز، زر التسجيل في هاتفه المحمول، ووضعه في جيب سترته، خلال جلوسه في مقهى في مدينة مونتريال، منتظراً وصول رجلين قالا إنهما يحملان إليه رسالة شخصية من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.


عند وصول الرجلين للقاء عبد العزيز (27 عاماً)، بادرهما الأخير بالسؤال عن سبب مجيئهما إلى كندا لرؤيته. "هناك نوعان من السيناريوهات"، قال أحد المبعوثَين. وخاطب عبد العزيز بالقول: تستطيع العودة إلى المملكة العربية السعودية، إلى أصدقائك وعائلتك"، أو "تذهب إلى السجن، ماذا تختار؟".

ومن أجل الضغط عليه للعودة إلى السعودية، أحضر الرجلان أحد أشقاء عبد العزيز الأصغر سناً، من المملكة، إلى الاجتماع في مونتريال. لكن عبد العزيز ناشد شقيقه بالتزام الهدوء.

أكثر من 10 ساعات من المحادثات، التي استمرت 4 أيام، كان هاتف عبد العزيز يسجلها بشكل سري. ولاحقاً قرر الناشط السعودي الكشف عن محتوى هذه التسجيلات السرية إلى صحيفة "واشنطن بوست"، الوسيلة الإعلامية المقربة من الكاتب والصحافي المفقود، جمال خاشقجي. وبحسب تقرير نشرته الصحيفة حول الموضوع، تقدّم هذه التسجيلات صورة مرعبة عن الأساليب والطرق التي تتبعها السعودية لجذب الشخصيات المعارضة في الخارج للعودة إلى المملكة، حيث تعدهم بالمال والسلامة. وتصاعدت الجهود في هذا الإطار بشكل حاد، منذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد العام الماضي، بحسب جماعات حقوقية.   

وكان جمال خاشقجي واحداً من الشخصيات التي سعى المسؤولون السعوديون المقربون من ولي العهد إلى استمالته، بحسب ما قال العديد من أصدقائه لـ"واشنطن بوست"، مشيرين إلى أنّهم عرضوا عليه وظيفة رفيعة المستوى، يعمل من خلالها لصالح الحكومة، إذا عاد إلى المملكة. إلا أن خاشقجي قال إنه لا يثق بهذا العرض، خشية أن يكون خدعة. وبحسب اعتراضات الاستخبارات الأميركية للمسؤولين السعوديين ، فقد أمر محمد بن سلمان بإغواء خاشقجي للعودة إلى السعودية من منزله في فرجينيا، ثم احتجازه.

وفي تصريحاته، التي أدلى بها إلى صحيفة "واشنطن بوست"، قال عبد العزيز، الذي حصل على حق اللجوء في كندا، إنه كان يعمل على العديد من المشاريع مع خاشقجي، التي ربما تكون قد أعطت القيادة السعودية سبباً إضافياً لإبعاده وإنهائه. إذ إن خاشقجي كان قد أرسل إليه مبلغ 5 آلاف دولار لأجل البدء بمشروع، أطلق عليه اسم "النحل"، وهي مبادرة لبناء "جيش الكتروني" داخل المملكة السعودية، من أجل مواجهة المتصيدين الموالين للحكومة عبر الانترنت. إلى جانب ذلك، كان عبد العزيز وخاشقجي يعملان أيضاً على إنتاج فيلم قصير وبناء موقع الكتروني يتابع قضايا ومسائل حقوق الانسان، بالإضافة إلى مشروع آخر يدعم الديموقراطية.

كان من المفترض أن يكون هذا العمل سرياً، لكن عبد العزيز قال إنه تم استهدافه من قبل برامج التجسس السعودية هذا الصيف، إذ "كان لديهم كل شيء، لقد رأوا الرسائل بيننا. واستمعوا إلى المكالمات".

تكشف التسجيلات، التي  قدّمها عبد العزيز إلى "واشنطن بوست"، أن الرجلين الآتيين من السعودية للقاءه في مونتريال، كررا القول إنهما آتيان بطلب شخصي من ولي العهد، وإنهما يعملان بأوامر سعود القحطاني، أحد كبار الاستراتيجيين والمنفذين لمحمد بن سلمان. والقحطاني، هو نفسه من كان قد اتصل بخاشقجي قبل أشهر من اختفائه، وحثّه على إنهاء منفاه والعودة إلى المملكة، بحسب ما صرّح خاشقجي لأصدقائه.

كان عبد العزيز قد غادر السعودية في العام 2009 للدراسة في كندا، على ما يقول لـ"واشنطن بوست"، مشيراً إلى أنه أنشأ حساباً في "تويتر" بداية الربيع العربي، وبعد ذلك بدأ بتقديم برنامج عبر "يوتيوب"، انتقد من خلاله أداء وسياسات القيادة السعودية على أكثر من صعيد، الأمر الذي أدّى إلى حصوله على إقامة دائمة في كندا العام 2014.  

نشأت علاقة الصداقة بين عبد العزيز وخاشقجي، بعدما انتقل الصحافي السعودي إلى واشنطن في صيف 2017. "كان خاشقجي وحيداً عندما وصل إلى الولايات المتحدة"، يقول عبد العزيز، مضيفاً: "لقد بدأنا الحديث عن العيش في الخارج بعيداً من عائلاتنا، كيف هي الحياة والمشاريع التي سنقوم بها... كان جمال أباً، وصديقاً". كان مشروع "جيش النحل" من فكرة عبد العزيز، إلا أن خاشقجي تحمّس له وشجّعه على العمل عليه.

وفي الوقت الذي كان خاشقجي ينتقد القيادة السعودية، بصفته كاتب عامود في "واشنطن بوست"، كان الذباب الالكتروني الموالي للحكومة يُلاحقه في "تويتر"، وكانوا يركزون عليه لأنه كان لديه صوت ومنبر في وسائل الاعلام الغربية. هذا الأمر دفع عبد العزيز إلى اقتراح إطلاق حركة مضادة في الانترنت، وما كان يحتاج إليه فقط هو النقود. "نحن نطلق على هؤلاء جيش الطيران"، في حين نطلق على أنفسنا اسم "جيش النحل"، يقول في حديثه للصحيفة الأميركية.

كانت الخطة شراء بطاقات SIM بأرقام كندية وأميركية يمكن أن يستخدمها السعوديون داخل المملكة. إذ يتطلب التحقق من حساب "تويتر" إدخال رقم الهاتف، ويخشى الناشطون في المملكة من ربط أرقامهم السعودية بحساباتهم في "تويتر"، خشية أن يتم تتبعهم واعتقالهم بسبب انتقاداتهم للحكومة. ولهذا، خصص عبد العزيز 200 بطاقة لهذا الغرض، على الرغم من تحذير خاشقجي له من أن "هذا الأمر يشكّل خطراً كبيراً عليه".

وبموازاة عملهما على هذا المشروع، كان خاشقجي قد طلب إلى عبد العزيز المساعدة في إنتاج فيلم قصير يوضح كيف كانت القيادة السعودية تقسم البلاد. كما طلب إليه المساعدة في تصميم شعار لمؤسسة جديدة كان يقوم ببنائها، وهو "الديموقراطية للعالم العربي الآن". كما ساعده عبد العزيز في تصميم موقع الكتروني لمتابعة قضايا حقوق الانسان.

في آب/أغسطس الماضي تواصل القائمون على مشروع "سيتيزن لاب" (وهو مشروع أطلقته جامعة تورونتو يحقق في التجسس الرقمي ضد المجتمع المدني)، مع عبد العزيز محذرينه من أن هاتفه قد يكون قد تعرّض للاختراق، وإنّ المشغّل لهذه العملية مرتبط بالحكومة السعودية والأجهزة الأمنية.

يعود عبد العزيز في حديثه مع "واشنطن بوست" للقائه مع الرجلين السعوديين، قائلاً إن أحدهما قايضه من أجل إعادته إلى السعودية لأشهر، فردّ عليه عبد العزيز قائلاً إن كان لولي العهد رسائل أخرى إليه، فليرسلها إلى كندا. ويشير عبد العزيز إلى الناشطين خارج المملكة ليسوا آمنين، مستشهداً بما حصل مع الناشطة لجين الهذلول، التي اختطفت من الشارع في أبوظبي واقتيدت إلى المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من الإفراج عنها لاحقاً، إلا أنها وضعت تحت حظر السفر، وطلب إليها عدم التحدث إلى الإعلام، ثم أعيد اعتقالها في ما بعد بتهم عديدة بينها "الاتصال بكيانات أجنبية"، وما زالت في السجن إلى اليوم.  

كان خاشقجي قد نصح عبد العزيز بالحرص على مقابلة الرجلين في مكان عام، وعدم القبول بالعودة معهم إلى السعودية في أي حال من الأحوال. كما قال له خاشقجي: "إذا كنت تريد أن تأخذ المال، فهذا هو قرارك، لكن لا تعُد معهم، لا تصدقهم". 

اجتمع الرجلان بعبد العزيز في 15 أيار/مايو الماضي، وخلال الحديث قال أحدهما "خاشقجي يسبب الصداع، لكنه يُفكر بالعودة إلى المملكة. وعمر عبد العزيز يجب أن يفعل ذلك أيضاً"، ثم خاطب عبد العزيز بالقول: "عمر، للتعامل معك، لم نكن نريد أن نأتي بأوامر من وزير أو سفير. أردنا العمل بتوجيهات من قمة الهرم، الأمير شخصياً. ولا يمكن لأحد التعامل مع هذا الموضوع بشكل أفضل من الأمير نفسه".

"كانت نبرتهما ودية وأسلوبهما مرح"، يوضح عبد العزيز، مشيراً إلى أنهما حاولا جاهدين إقناعه بأنه سيكون لديه بداية جديدة في السعودية، حتى أنهما أنشآ مجموعة في "واتس آب"، تجمعهم هم الثلاثة"، ضمن اسم New Era. وخلال المحادثات حثّه الرجلان على زيارة السفارة السعودية معهما، للحصول على جواز سفر جديد، وهو طلب بات يندرج اليوم في إطار المخطط الشرير، بعد حادثة اختفاء حاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.

يعود الرجلان ويشرحان الخيارات لعبد العزيز، الذي "يمكنه العودة إلى المملكة، وهو وضع مريح للجانبين"، يقول أحدهما، مضيفاً: عمر مستفيد أو فائز، لأنه يعود إلى المنزل". ومن جانب آخر "الدولة هي الفائزة، وعمر سعيد أيضاً". وبحسب الرجلين فإن عودة عبد العزيز "يمكن أن تساعد في تلميع صورة المملكة"، مشيرين إلى أن الحكومة أنفقت بالفعل ملايين الدولارات على زيارة ولي العهد لواشنطن من أجل تعزيز صورتها، وهذا يدل على استعداد المملكة لاتخاذ مثل هذه الخطوات".

و"لكن في السيناريو الثاني ، يخسر الجميع"، واصل الرجل، قائلاً: "عمر خاسر لأنه سيذهب إلى السجن"، مضيفًا أنه "سيُلقى القبض عليه في المطار". لكن "الحكومة ستخسر أيضاً، بما أن عمر عبد العزيز ليس شخصية معارضة، فإنّ أية معلومات يتم الحصول عليها منه أثناء التحقيق معه، لن تكون ذات فائدة كبيرة للدولة، إلا أن الحكومة السعودية سوف تتضرر من الدعاية التي ستطلقها جماعات حقوق الانسان ووسائل الاعلام بعد اعتقاله". 

بموازاة ذلك/ أخبر الرجلان عبد العزيز أن المملكة العربية السعودية تدين له بمبلغ 412 ألف دولار كندي، لقيامها بقطع المدفوعات الحكومية لأجل منحه الدراسية، فكان جوابه "سوف آخذ المبلغ، سوف أتبرع به للمشردين في مونتريال، أو لمستشفى مرضى السرطان، أو أشتري ساعة جديدة وأكسرها". لكن الرجلين اشترطا أنهما لن يقوما بتحويل المبلغ إليه قبل عودته إلى السعودية. رفض عبد العزيز العرض، وغادر الرجلان في نهاية المطاف مونتريال من دونه.

في أوائل آب/ أغسطس الماضي، تم القبض على الأخوين الأصغر لعبد العزيز في المملكة العربية السعودية، جنبا إلى جنب مع مجموعة من ثمانية من أصدقائه. لكن عبد العزيز قال إنه لا يريد الاستسلام، "لقد اخترقوا هاتفي وسجنوا أشقائي وخطفوا وربما قتلوا صديقي.. لن أتوقف".

طلب عبد العزيز إلى "واشنطن بوست" عدم تحديد هوية الرجلين، وقال إنه لا يعلم ما إذا كانا يعملان لحساب الاستخبارات السعودية أم أن الحكومة أجبرتهما على لقائه ومحاولة إعادته. وفي حين تواصلت الصحيفة معهما، إلا أن أياً منهما لم يتجاوب معها أو يرد على الأسئلة التي أرسلتها إليهما الأربعاء. قال أحدهما إنه سيرسل رداً، لكنه لم يفعل، كما لم يتم الرد على المكالمات الموجهة إلى متحدث باسم وزارة الخارجية السعودية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها