الأربعاء 2018/01/10

آخر تحديث: 17:48 (بيروت)

"بدون قيد" لا يستدعي الادعاء بالنجاح!

الأربعاء 2018/01/10
"بدون قيد" لا يستدعي الادعاء بالنجاح!
السلسلة حاولت كسر حدود الرقابة و"المحرمات"
increase حجم الخط decrease
الحديث عن إحياء مسلسل "بدون قيد" للدراما السورية التي فارقت الحياة عملياً منذ سنوات، أو قدرته على خلق تيار جديد فيها، لا يتخطى كونه مزيجاً من الأمنيات الرومانسية التي تورط أصحابها عاطفياً مع الماضي.

فالسلسلة وإن حاولت كسر حدود الرقابة التقليدية و"المحرمات" السياسية واللغوية والمشهدية، وقدمت نمطاً "تفاعلياً" كمحدد ضعيف لمعنى الدراما عبر الإنترنت، إلا أنها تبقى بعيدة عن الإبهار أو الامتاع وحتى الجودة في العصر الذهبي العالمي للتلفزيون وحقبة "Streaming".

يقدم العمل ثلاث قصص منفصلة عن ضحايا الحرب السورية، لكنه لا يقوم بدمجها معاً. عوضاً عن ذلك، يتركها بشكل ثلاث كتل منفصلة، مع إقحام مشاهد في لقاءات عابرة بين الشخصيات المحورية في كل منها، للقول إن عوالم الشخصيات تتقاطع ضمن سياق الحرب السورية الأشمل الذي يحاول المسلسل "توثيقه". ويكتمل ذلك الجو المسرحي بافتعال مشهدي مقدمة وخاتمة لخلق وهم قسري بوجود معنى واحد يجمع القصص الثلاث معاً، من دون وجود مبرر لذلك أصلاً، مع تجاهل احتمالات أوسع تمتلكها بعض الشخصيات المثيرة للاهتمام.

ويعطي ذلك إيحاء بأن أصحاب العمل واجهوا مأزقاً أو ورطة في تقديمه كفيلم باهر بصرياً، من ناحية تقديم مونتاج يقاطع القصص الثلاث في ما بينها على طريقة فيلم "The Hours" (الساعات) العام 2002، أو بتقديم عرض بصري يجمع القصص المنفصلة بسياق يخلق معنى مختلفاً مشتركاً منها جميعاً على طريقة فيلم "Sin City" (مدينة الخطيئة) العام 2005 على سبيل المثال، ولهذا يتم تقديمه كعمل تلفزيوني مع "هبة" إضافية بإعطاء المشاهد "حق" اختيار تسلسل القصص الثلاث حسبما يشاء، وهو ليس خياراً ينم عن "كرم" و"عبقرية" أصحاب العمل، بقدر ما هو دليل على عدم ترابط تلك القصص بالدرجة الأولى.

بالتالي، يصبح تقسيم العمل إلى 30 حلقة تقريباً بشكل كلاسيكي على غرار معظم المسلسلات العربية، وتقديمه بطريقة تحت مسمى "مسلسل تفاعلي"، هو أسهل حل للخروج من المأزق الإبداعي السابق. وطرح العمل بشكل حلقات منفصلة على "يويتوب" يوفر كمية أكبر من المشاهدات المنفصلة التي تزيد من الإيرادات الناتجة عنه، بعكس لو تم طرحه بشكل مقطع واحد فقط، أي أن إقبال مليون شخص على مشاهدة الفيلم، وهو النطاق الحالي لعدد المشاهدات، يعني نقرات بحدود 30 مليون على عموم الحلقات!

ومن المدهش حقاً أن تحتوي كل حلقة من حلقات السلسلة التي لا تتجاوز مدة كل منها 3 دقائق، حجماً كبيراً من الحشو والملل، لاجترار الوقت الذي يبدو طويلاً في انتظار الحلقات التالية، وربما يعود ذلك للتقطيع الزمني البحت في الفيلم الأصلي من دون حدود واضحة تفصل بين الحلقة والأخرى، وهو خلل لا يمكن تجاوزه في مسلسل يدعي أنه يتلاعب بالزمن بشكل مبتكر.

والعمل نتيجة تعاون سوري لبناني، وهو من تأليف وتصميم ربيع سويدان ومروان حرب، إخراج أمين دره، قصة رافي وهبي وباسم بريش، سيناريو وحوار باسم بريش. ويغيب عنه النجوم والأسماء المعروفة لمصلحة ممثلين شباب ومغمورين.

ويجب القول إن ردود الفعل الإيجابية على المسلسل طاولت جوانب في القصص نفسها لكونها تميل للجانب الإنساني وتركز على ضحايا الحرب السورية، وبالتحديد قصة شخصية ريم التي تدور احداثها في محافظة درعا المهمشة، من ناحيتي اللهجة والحضور في الدراما السورية عموماً، وهي الشخصية الوحيدة القادرة في العمل على خلق ارتباط حقيقي مع المشاهد ودفعه إلى الاهتمام بها، رغم بساطة قصتها التي لا تتعدى في الظاهر إضاعتها هويتها الشخصية لكنها تحمل كثيراً من الخلفيات عن ماضيها وتساؤلات عن مستقبلها، وعلاقاتها مع محيطها الذكوري وابنتها الوحيدة، وصراعها من أجل أرضها التي يعمل النظام السوري على تجفيفها، كبقية أراضي المنطقة، من أجل إرغام السكان المحليين على بيعها إلى شخصيات أجنبية.

والحال أن أسئلة الهوية والانتماء في السلسلة ليست بالعمق ولا المباشرة الكافية، حيث يتم التلميح إلى ما يقوم به النظام السوري من تجنيس للأجانب، من دون الإشارة لجنسياتهم الحقيقية أو الطائفية، وتحديداً عبر قصة وفيق، وهو ضابط "شريف" يعمل لدى النظام ويرفض طلبات من مسؤولين نافذين لتجنيس مجموعة من الأجانب، فتتم معاقبته بقتل ابنه ودفع زوجته إلى الانتحار. ورغم أن ذلك يبدو مشوقاً للوهلة الأولى، إلا أنه يأتي محملاً بكثير من الكليشيهات مع إيقاع ممل وأداء تمثيلي سيئ من بطل القصة رافي وهبي نفسه، بعكس الممثلة عبير الحريري التي تقدم أداء عميقاً لشخصية ريم.

وبكل تأكيد لا يكفي أن يشكل العمل محاولة "لتوثيق" الحدث السوري بعيداً عن الرقابة الرسمية سبباً كافياٌ للحكم بجودته، فمن جهة لا يقدم العمل التوثيق بشكل عميق أو مباشر، ومن جهة أخرى لا يعتبر التوثيق بحد ذاته أمراً ضروريأ في العمل الدرامي خصوصاً إذا كان على حساب المتعة والتشويق وعنصر الخيال التي تغيب جميعاً عن أجواء العمل الرتيب والممل للأسف.

مع ذلك لا يخلو العمل من بعض الإيجابيات، كمشهد القبلة في مطلع حكاية الضابط وفيق، وهو يفقد أهميته بالتعامل مع العمل كفيلم مجزأ وليس مسلسلاً درامياً، لأن التعري والجنس والقبل ليست أمراً جديداً على السينما السورية رغم عدم وجودها في الدراما التلفزيونية "المحافظة"، إضافة إلى إتاحة الفرصة للعديد من الممثلين الشباب والمغمورين، وفي مقدمهم عبير الحريري، التي تستحق مزيداً من الفرص في المستقبل، كما أنه يشكل خروجاً عن السائد في التعاون الفني بين سوريا ولبنان والانتاجات المشتركة، التي تميل عموماً إلى الابتذال والقصص الممسوخة عن حكايات عالمية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها