الصراع السياسي حول الانتخابات ينعكس حكماً على وسائل الإعلام التي تخوض الصراع السياسي بالوكالة والأصالة، وتخوض صراعها الخاص في ما بينها على محور إرضاء الممول واجتذاب الدعاية الانتخابية المدفوعة، وهي معركة لا تخضع للقوانين إلا شكلياً، كما أنها لا تلتزم بتلك الشفافية التي يطالب بها فضل الله.
وفي هذه الحالة، حتى لو وضعت الحقائق أمام وسائل الإعلام، فإن عملية نقل الخبر الذي تتولاه لن تكون بغنى عن "الفلتر" الذي يحدد طبيعة الأخبار التي سيجري بثها وزاوية المعالجة بحسب تبعية كل وسيلة وهوامش التحرك لديها والتي عادة ما تكون محدودة، وهذا ما يضعنا أمام سؤال في تعاطي وسائل الإعلام مع الانتخابات، هل القانون هو الذي يرسم أطر هذه التغطية أم هي روح القانون الخاضعة للتأويل؟
نماذج صغيرة من المواد القانونية التي تنظم عمل وسائل الإعلام خلال فترة الانتخاب في قانون الانتخابات الجديد، تؤكد أن ما ورد في هذا القانون كما في القوانين السابقة وهي متشابهة الى حد كبير، لم يطبق يوماً في لبنان ولا حتى بالشكل. أحد هذه النماذج ما يرد في المادة 74 تحت عنوان موجبات وسائل الإعلام: لا يجوز لأي وسيلة من وسائل الإعلام الخاص إعلان تأييدها أي مرشح أو لائحة انتخابية.
لا يمكن لقناة "المنار" أو "أن بي أن" إلا أن تنحاز الى جانب لائحة حركة أمل وحزب الله، ولا يمكن لقناة المستقبل أن لا تنحاز الى لائحة المستقبل، أو OTV وMTV وغيرها من النماذج الفاقعة في ممارسة التغطية الانتخابية والتي تجعلها، بحكم انتشار عملية الانحياز وتحولها الى قاعدة في مقابل حيادية تحولت الى استثناء، بمنأى عن المحاسبة التي تستوجب معاقبة جميع القنوات تطبيقا للنص القانوني.
نموذج آخر من القانون الجديد في المادة 72 الفقرة الرابعة: يترتب على الهيئة (هيئة الاشراف على الانتخابات) أم تؤمن التوازن في الظهور الإعلامي بين المتنافسين من لوائح ومرشحين بحيث تلزم وسيلة الإعلام، لدى استضافتها لممثل لائحة أو لمرشح ان تؤمن بالمقابل استضافة منافسيه بشروط مماثلة لجهة التوقيت والمدة ونوع البرنامج.
لم يحدث أن نجحت أي قناة سابقاً في اجتياز هذا الامتحان، ولم يحدث أن جرت محاسبة أي منها على هذا السقوط، رغم أن قرارات الهيئة بموجب القانون نافذة وملزمة وصلاحياتها تتعدى مجرد الإضاءة على المخالفة نحو فرض غرامات وتحويل مباشر الى محكمة المطبوعات.
عموماً، لم تكن مشكلة الإعلام اللبناني يوماً، كما كل باقي قطاعات البلد، في القانون بحد ذاته، بل في تفسيراته وآليات تطبيقه ومدى جدية القائمين على عملية الرقابة وهوامش تحركهم، وانعكاسه على المؤسسات نفسها التي تؤمن تمويلها وقدرتها على الاستمرار حصراً من خلال التفلت من الرقابة والانحياز وممارسة التبعية السياسية والطائفية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها