السبت 2017/08/12

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

هل انتهت الثورة السورية؟

السبت 2017/08/12
هل انتهت الثورة السورية؟
increase حجم الخط decrease
لم يتوقف السوريون عن التساؤل "هل انتهت الثورة السورية؟" منذ العام 2011، لكن عودة السؤال إلى واجهة مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة، لا يرتبط بتشاؤم أو توجس من الأسوأ، كما كان عليه الحال عند كل انعطافة أو انتكاسة مرت بها الثورة سابقاً، لكنه قد يرتبط برؤية أكثر واقعية لمسار الثورة، التي باتت حرباً مرهقة طويلة الأمد.


تتبع السؤال الذي يحمل أبعاداً وجودية في "فايسبوك" و"تويتر"، لا يؤدي إلى نتيجة حاسمة، لكن جواً عاماً من الإحباط يوحي بأن الثورة انتهت فعلاً، أو تأجلت إلى أجل غير مسمى. يغرد المعارض البارز وعضو الائتلاف السوري، عبد الباسط سيدا، على سبيل المثال: "هل انتهت الثورة السورية؟ الثورة نجحت بكشفها لكل القباحات وزيف كل الشعارات. وأجيالنا السورية القادمة ستكون أكثر خبرة ووعياً وحرصاً".


هذا النوع من العبارات العاطفية، قد يكون تعبيراً شديد الصدق عن الحالة السورية اليوم، والتي تتم تهدئتها من طرف روسيا والولايات المتحدة، من دون بذل جهود حقيقية تؤدي إلى حل سياسي حقيقي ينهي جذور الصراع الأساسية التي أدت للثورة ثم للحرب والفوضى، ما يعني أن ما يروج له النظام السوري، عبر ماكينته الدعائية والدبلوماسية، حول النصر، ومراهنته على تحقيق مصالحة شاملة بعد سيطرته العسكرية على البلاد، بما في ذلك خطته الطموحة لإعادة السيطرة على دير الزور والرقة، ليست دقيقة تماماً، لأن هذا النصر مؤقت ويحول البلاد إلى قنبلة موقوتة تنتظر الظرف المواتي للانفجار، بصورة تمرد أو ثورة شعبية جديدة يقوم بها جيل سوري جديد أو أعمال إرهابية أو إعادة انبثاق للتنظيمات الجهادية. فيما ستحيا البلاد في ظل ذلك، حالة من التوتر الدائم بشكل مشابه للحالة اللبنانية المتوترة منذ نهاية الحرب الأهلية.

والحال أن السؤال منذ أواخر حزيران/يونيو الماضي، كان جزءاً أساسياً من النقاشات السورية عبر مواقع التواصل، ساهم فيها إعلاميون معارضون بارزون مثل موسى العمر وفيصل القاسم، مدفوعين ربما بالجمود الذي تشهده البلاد عسكرياً مع تقسيم البلاد إلى مناطق خفض تصعيد بتوافق روسي أميركي، مع الشلل الذي شكل صفة أبدية للمعارضة السياسية منذ سنوات، وتعزز كل ذلك بخسارة المعارضة لمعركة حلب أواخر العام الماضي، والتصريحات السياسية المختلفة التي باتت تؤكد على بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، والتي كان آخرها تصريح مسرب لوزير الخارجية السعودية عادل الجبير. وبغض النظر عن مدى دقة تصريح الجبير، الذي نفته الرياض بشكل رسمي لاحقاً، إلا أنه بالنسبة لكثيرين، أتى كجواب أنهى الجدل عبر السوشال ميديا.


اللافت هنا أن الصفحات الثورية (شبكة الثورة السورية، هاشتاغ الثورة، ..) التي كانت حتى فترة قريبة شديدة النشاط، لم تلتفت كثيراً لتصريحات الجبير، ولم تدخل في الجدل حول نهاية الثورة ولم تطلق حملات تؤكد على استمرارية الثورة، ولو بشكل رمزي عاطفي، في فترة باتت فيها الحملات الإلكترونية المعارضة نادرة وباهتة وتكرر نفسها من دون تقديم أي جديد مهما كان بسيطاً كإطلاق "هاشتاغ" موحد، مثلما كان عليه الحال قبل عام واحد من الآن. علماً أن "الصفحات الثورية" باتت لا تقدم سوى ذكريات الثورة يوماً بيوم، للتذكير بالأسباب التي ثار من أجلها السوريون طلبا للحرية والديموقراطية وكيف قوبلت ثورتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من طرف النظام والتنظيمات الإسلامية المتشددة على حد سواء.



يتعزز ذلك كله بإغلاق عدد من الصفحات المعارضة، وتوقف أكبر مجموعات الأخبار السورية مثل "تحرير سوري" و"إنستانت ريبورتنغ تيم" عن العمل، ورغم أن فريق "تحرير سوري" أطلق مجموعة جديدة تحت اسم "سيريان نيوز بانوراما" إلا أنها لم تنجح في جذب جمهور سوري واسع، وما زالت النقاشات فيها محدودة وضعيفة، بشكل مماثل لبقية مجموعات الأخبار المعارضة الأخرى (مراسل سوري، أخبار شباب سوريا،..) والتي فقدت جاذبيتها وزخمها القديم.

ويجب القول هنا أن انحسار الزخم الثوري عبر السوشال ميديا، هو انعكاس إعلامي وشعبي للأوضاع السياسية والعسكرية الراهنة للمعارضة، حيث كانت تلك الصفحات الثورية نتيجة للثورة نفسها ومحركاً لها في علاقة شديدة التبادلية والتداخل. علماً أن مواقع التواصل كانت أداة رئيسية في انطلاقة الثورة، وأدّت دوراً في انتشارها في السنوات الأولى للثورة، وبالتالي يشكل انحسارها انحساراً للسبب الذي أوجدها في المقام الأول، وهو فكرة الثورة نفسها.

ولا يعني هذا السبات الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي السورية، موت "الروح الثورية" أو نهاية "الحس المعارض" بالضرورة، بل ربما يعني التعب والإرهاق والتحول من النشاط نحو انتظار الفرصة التالية المواتية لممارسته، سواء حصلت انعطافة مفاجئة في مسار الحرب السورية الفوضوية، أو في ثورة ثانية لا تكرر أخطاء الثورة الأولى التي أعطت أملاً ضئيلاً بمستقبل أفضل لسوريا في يوم من الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها