الإثنين 2017/07/31

آخر تحديث: 19:24 (بيروت)

صحافة Embedded: بالأمس الغزو الأميركي.. واليوم "حزب الله"

الإثنين 2017/07/31
صحافة Embedded: بالأمس الغزو الأميركي.. واليوم "حزب الله"
صحافيون ضمن جولة حزب الله في عرسال (غيتي)
increase حجم الخط decrease
أرسل "حزب الله" رسائله الى الولايات المتحدة الاميركية عبر وسائل إعلامها: "أنا أقاتل الإرهاب، بينما حكومتكم تدعمه". لكن الحزب، وفي جولة نظمها للصحافيين اللبنانيين والأجانب السبت الماضي الى جرود عرسال، أظهر تماثلاً كبيراً بالأميركيين، وأعاد التذكير بظاهرة "الصحافيين المقيدين" (embedded journalists) الذين تصطحبهم القوات الأميركية وتشترط عليهم أن يقوموا بالتغطية من خلال التجوال معها فقط، وهي الظاهرة التي ظهرت العام 2003، إبان غزو العراق، ونالت قدراً واسعاً من السجال والجدل.. والنقد.


لا مجال لجولة إعلامية في جرود عرسال، من غير مرافق من "حزب الله". في الواقع، هو ليس دليلاً الى منطقة مجهولة بالنسبة الى الصحافيين، والى بعض عناصر الحزب نفسه.. وليس مجرد درع حماية لـ40 إعلامياً يعبرون في منطقة غير خاضعة لسلطة الدولة اللبنانية بعد.. فهو يمثل مخططاً مرسوماً لتقارير الاعلاميين، حدد أجندة كتاباتهم، بحيث لا يستطيع أي صحافي مرافق أن يكتب الا ما شاهده، وسمعه. وهو لا يشاهد الا ما تم توجيهه اليه، ولا يسمع الا ممن يرافقه، أي من قياديي الحزب.

في هذا التخطيط الاعلامي، توجيه محدد للصحافيين، كما كان الحال إبان الغزو الأميركي للعراق، حيث ارتفعت وتيرة الانتقاد للقوات الاميركية التي ألحقت الصحافيين بها، ما اضطرهم للتغطية من وجهة نظر واحدة، بالنظر الى ان المعلومات كانت محصورة في جانب واحد.

قد لا يعبأ الحزب بهذا التوصيف، ولا يجد حرجاً في تشبيهه بالقوات الاميركية، أو الاستراتيجية الدعائية الاميركية... وقد لا يتوقف عند انتقاده بخصوص "تقييد الصحافيين" عبر تحديد خطة تغطية محددة ومرسومة. فما أراده الحزب، وصل الى الولايات المتحدة، وجمهور عريض يقرأ صحيفة "واشنطن بوست" حول العالم: "الرئيس الاميركي الحالي يجهل المنطقة. نحن القوة التي تقاتل الإرهاب، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمه بأشكال مختلفة".

والحزب لم يكن مضطراً لتصريح صريح مشابه، لولا أن الجولة جاءت بعد اربعة ايام على ضم الرئيس الاميركي دونالد ترامب الحزب، الى ملفي "داعش" و"النصرة" الارهابيين، اثناء مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. فزيارة مشابهة للصحافيين الاجانب الى جرود عرسال، ستظهر في وسائل الاعلام الغربية أن معركة "حزب الله" موجهة ضد فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا.

لكن الحزب دفع بالرسالة مباشرة، كما دفع برسالة أخرى، تفضي الى التمييز بين السنّة المتشددين، وبين الشيعة، عبر الحديث عن "كربلاء"، بوصف المعركة الحالية امتداداً عقائدياً لواقعة عاشوراء، حيث نقلت "واشنطن بوست" عن قائد ميداني في الحزب قوله ان عناصر "النصرة" "تواجههم كربلاء ولبنان والمقاومة".

ولا يمكن القول ان استراتيجية الحزب الاعلامية، فاشلة. بالنسبة اليه، عادت عليه بمردود اعلامي هام، مرتبط بتحسين صورته في الغرب، بوصفه قوة قادرة على دحض الارهاب. وكرس تحديد أجندة الصحافيين، منذ بداية المعركة، عبر ربط المعلومات بإعلامه الحربي فقط، بحيث لم يخرج الا ما يوافق عليه الحزب.

وحجب المعلومات، ليس غريباً. فحزب الله يستمد شرعيته من "القوة"، لا يجد حرجاً في ممارستها في سائر حيثيات تجربته، سواء في العسكرة أم في الإعلام. وقد يتباهى بها، كما سيتباهى بتشبيهه بالقوات الاميركية، غريمته في السياسة والعقيدة والميدان، وحليفته المشتهاة التي يفاوضها على رفع/تخفيف العقوبات عنه. وهو فعلياً، يتماثل بغريمه القوي، ليس في الاستراتيجية الدعائية فحسب، بل في "لوك" الجنود الاميركيين، والسيارات التي يستقلونها في الجرود، بحسب ما ذكر الصحافيون، وبقوة يسعى الحزب ليصل اليها. لا يجد "حزب الله" حرجاً في ذلك كله، لأن الأحزاب ذات الطابع الشمولي لا تعبأ بالحقائق.. إلا ما كان من صنعها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها