الثلاثاء 2017/06/06

آخر تحديث: 18:58 (بيروت)

عمران دنقيش.. "رهينة" النظام؟

الثلاثاء 2017/06/06
عمران دنقيش.. "رهينة" النظام؟
increase حجم الخط decrease
يحمل الطفل عمران دنقيش علم النظام السوري وهو يتقدم ببطء من مراسل قناة "الإخبارية" الرسمية في حلب، مشهد يبدو سوريالياً لكون عمران صاحب أكثر صورة أيقونية تبرز إجرام النظام في أحياء حلب الشرقية، وعنفه الدموي ضد المدنيين خلال حملته العسكرية لاستعادة المدينة عبر سياسة الأرض المحروقة الصيف الماضي.


و"الإخبارية" ليست القناة الموالية الوحيدة التي أجرت لقاءات مع عمران وعائلته، بل تسابقت القنوات الممانعة على إجراء لقاءات في التوقيت نفسه، مع عمران، بما في ذلك قنوات إقليمية تابعة لإيران (الميادين، العالم) وقنوات رسمية (الإخبارية، الفضائية) وأخرى حليفة (روسيا اليوم، آر تي، سبوتنيك،..) فضلاً عن لقاء موسع يبث مساء الثلاثاء عبر قناة "سما" الشعبوية شبه الرسمية.


وأصدرت الوسائل السابقة مجموعة من مقاطع الفيديو القصيرة، التي تتراوح مدتها بين دقيقتين إلى أربع دقائق، يظهر فيها عمران على أنه ضحية "قنوات سفك الدم السوري"، وهي التسمية التي يطلقها النظام السوري على الإعلام المعارض له، وليس ضحية لقصف طائرات النظام وحليفه الروسي على حي القاطرجي في حلب. وتتشارك الوسائل كلها، على اختلاف المذيعين الذين أجروا تلك المقابلات (كنانة علوش، وليد هناية، ربيع كلاوندي، حسين مرتضى،..)، نفس الأسئلة المعدة مسبقاً والموزعة مع توجيهات رسمية بهذا الضخ في هذا التوقيت، وهو أمر معتاد في آلية عمل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي عموماً.


في السياق، نشرت مراسلة قناة "سما" الموالية للنظام، كنانة علوش، المشهورة بصورها الدموية بين جثث المعارضين أو مع جنود النظام وفي دباباته أيضاً، صورة سيلفي لها مع عمران في "منزل العائلة" في حلب، حيث يظهر علم النظام بوضوح، حيث تم نشر الأعلام في كافة أنحاء المنزل عموماً أمام الكاميرات المختلفة التي صورت هناك.



ورددت الصفحات الموالية، التي نشرت المقتطفات عبارة موحدة: "ها هو الطفل عمران الذي حاولت قنوات سفك الدم السوري تضليل خبر إصابته بأنها ضربة من الجيش العربي السوري، يعيش الآن في كنف الدولة السورية مع جيشها وقائدها وشعبها"، في إشارة أخرى على توجيه العملية ككل من طرف وزارة الإعلام السورية أو من طرف "المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية السورية".



وتحاول المقاطع المنشورة تبرئة النظام من القصف على أحياء المدنيين في حلب، وتكذيب حادثة عمران، وتحديداً عبر توجيه أسئلة عن ذلك إلى والد عمران، الذي ألقى بالمسؤولية فيما جرى لعمران على فصائل المعارضة!  ويلاحظ هنا النبرة الآلية والإجابات الموحدة التي كررها والد عمران في كافة اللقاءات معه، والتي توحي بتلقينه الأجوبة التي حفظها عن ظهر قلب لقراءتها أمام الكاميرا.



وتفاوتت التعليقات عبر مواقع التواصل بين القول أن والد عمران "شبيح عاد إلى حضن الوطن" وبين القول الأكثر انتشاراً بأنه ظهر عبر الإعلام الرسمي تحت الضغط والتهديد، كما توقفت كثير من التعليقات على عمران نفسه، واتهم ناشطون الإعلام الرسمي بالتزوير لكون عمران اليوم لا يشابه عمران قبل أشهر، كما أنه يبدو أصغر سناً بحوالي سنتين مما يجب أن يكون عليه، وتم تبرير ذلك في لقاء "سما" بأن الوالد اضطر لتغيير شكل ابنه وقص شعره وتغيير اسمه "كي لا يخطفه المعارضون"!



وكانت عائلة عمران التي تدمر منزلها بالكامل، من ضمن الحشود المدنية التي نزحت إلى مناطق النظام بعد سيطرته على أحياء حلب الشرقية، واختفت أخبار العائلة بالكامل منذ تلك اللحظة، علماً أن والد عمران كان يرفض الحديث مع إعلام المعارضة في الفترة بين انتشار صورة ابنه للمرة الأولى وبين سقوط حلب بيد النظام، "خوفاً من انتقام الميليشيات الموالية للنظام".



يأتي ذلك بعد أيام قليلة من انتشار الإعلان الرمضاني السنوي لشركة الاتصالات الكويتية "زين"، استخدمت فيه صورة عمران بطريقة مشوهة تظهره ضحية لـ "الإرهاب الإسلامي" وليس لإرهاب النظام السوري، ويؤكد استغلال النظام السوري لعمران فكرة أن إعلان "زين" لم يكن عفوياً أو نتيجة خطاً غير مقصود، بل كان جزءاً من صفقة مع النظام على الأغلب.

وكان الطفل أصيب إثر قصف استهداف منزله في حي القاطرجي بحلب في آب/أغسطس العام 2016، وقتل إثر ذلك أخوه الصغير علي، والتقطت كاميرا "مركز حلب الإعلامي" صوراً له وهو ملطخ بالغبار والدماء، وسط حالة من الصمت والذهول، لتنتشر صورته على نطاق عالمي وتصبح رمزاً أيقونياً للحرب السورية. علماً أن ملتقط صورة عمران الشهيرة، محمود أرسلان، نشر مقطع فيديو قال فيه أن ما قام به إعلام النظام دليل على أن عائلة عمران تحت الإقامة الجبرية في حلب ودليل على أنه النظام قتل علي، شقيق عمران، كما يظهر في سياق المقابلات نفسها.



المثير للسخرية هنا أن النظام السوري منذ ذلك الوقت يكذب وجود عمران أصلاً، واتهم إعلام المعارضة أكثر من مرة عبر رئيسه بشار الأسد في لقاءات تلفزيونية، بتزييف الصورة من الأساس، ليناقض النظام نفسه في الضخ الإعلامي الجديد، علماً أن اللقاءات قدمت تزييفاً آخر للحقائق بالقول في بعض الأجزاء أنها تقدم حقيقة "مقتل عمران" الذي روجت له المعارضة، رغم أن صورة عمران انتشرت أصلاً لكونها تصور الذهول على الناجي من مجزرة مروعة في منتصف الليل، من دون أن يدعي أحد أن النظام قتل عمران أصلاً. 


ويحاول النظام هنا الاستفادة من شهرة عمران العالمية، من أجل تبرئة نفسه وضرب معارضيه في وقت واحد، فضلاً عن محاولته تفريغ صورة عمران من أيقونيتها ورمزيتها بالنسبة للمعارضين، بتحويلها إلى أيقونة لرواية النظام نفسه، عطفاً على انتشارها الواسع حتى بين صفوف الموالين، وتحديداً في المقاطع الانجليزية التي تظهر عمران وهو يلعب ويضحك في ظل "الأمان" الذي نشره النظام في حلب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها