الخميس 2017/03/09

آخر تحديث: 18:12 (بيروت)

طلعنا ع الحرية.. الحاجة إلى ثورة سورية ثانية

الخميس 2017/03/09
طلعنا ع الحرية.. الحاجة إلى ثورة سورية ثانية
increase حجم الخط decrease

قبل سنتين تماماً أطلق ناشطون وسياسيون ومثقفون صرخة من أجل إطلاق "الموجة الثانية للثورة السورية". لم تلق تلك الدعوة انتشاراً واسعاً أو حقيقياً. لكنها تبدو مع اقتراب الذكرى السنوية السادسة للثورة في البلاد، دعوة ملحة لا بد من استذكارها، بعدما باتت الثورة اليوم وكأنها فعل غريب من حكم الميليشيات والأسلمة والعنف، بشكل  لا يشابه ما طالب به السوريون من حرية وديموقراطية العام 2011.

آخر فصول هذا المشهد المخيف كانت في الغوطة الشرقية بعد سلسلة قرارات تعسفية من "جيش الإسلام" ضد مجلة "طلعنا ع الحرية" وهيئات مدنية أخرى يعاديها منذ فترة طويلة ويعترض على نشاطها السلمي - الديموقراطي في الداخل السوري.

القصة التي بدأت بنشر المجلة المعارضة مقالاً عن الطفل السوري عبد الباسط صطوف، إتُهم بعد أكثر أسبوعين من نشره بالإساءة للذات الإلهية، إنتهت الأربعاء مع قرارات تعسفية أصدرها جيش الإسلام بإغلاق مكتب المجلة ومكاتب مدنية مثل "حراس الطفولة" و"مركز توثيق الانتهاكات" رغم عدم علاقتها بالمجلة أصلاً، قبل أن تصدر إدارة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، التابع لحركة "أحرار الشام" الإسلامية في محافظة إدلب شمال البلاد، قراراً بمنع توزيع المجلة في المناطق المحررة، فضلاً عن رفع دعوى قضائية على المجلة وكاتب المقال شوكت غرز الدين مع استدعاء للتحقيق والمحاكمة! لتعلن المجلة في وقت متأخر ليل الأربعاء إيقاف كامل نشاطها في الداخل السوري.

ربما لم يكن على المجلة الاعتذار عن نشر المقال انطلاقاً من حرية التعبير التي تدافع عنها المجلة. فالاعتذار، الذي أتى على الأغلب حفاظاً على سلامة الفريق العامل في الداخل السوري، لم ينفع أصحابه في تهدئة نقمة الفصائل المتطرفة ضدهم. ولا بد من الإشادة هنا بالمجلة على نشرها المقال من الأساس بغض النظر عن تقييمه من الناحية الإعلامية والفكرية، خصوصاً أنه لا يعبر سوى عن رأي كاتبه ويعاكس آراء إدارة تحرير المجلة التي تفسح مجالاً واسعاً لتعدد الآراء ضمنها، حتى لو كان ذلك الرأي يتضمن التعبير عن الإلحاد ووصف الإله نفسه بالعجز.

اللافت هنا أن المقال الجدلي كان ركيك الصياغة، ولم يعبر عن الإلحاد بشكل صريح، بل كان يناقش فكرة الإله الذكوري العاجز تماهياً مع فكرة الأب العاجز عن إنقاذ إبنه في مجتمعات مشرقية أبوية. والحال أن التعبير عن الإلحاد شجاعة بحد ذاته في مجتمعات دينية تعاقب المرتد عن الدين بالقتل. فمن قال أن الملحد يجب ألا يعبر عن رأيه؟ وكيف يصبح مجرد التفكير والكتابة جرائم خطيرة؟ الجواب بالطبع هو الأنظمة الدكتاتورية فقط. والإسلام السياسي بصورته المليشياوية جزء منها، أما صراعه مع الأنظمة السياسية القائمة فلا يتعدى رغبة في إقامة دكتاتوريات جديدة قائمة على المحظورات الدينية.

في السياق، تبدو آراء "جيش الإسلام" وكثير من الصفحات الثورية الإسلامية وفصائل أخرى تجاه الحرية، منقوصة ومؤطرة بحدود مجتمعية - دينية - سياسية، تتقارب وتتباعد عن المحظورات التي يفرضها نظام الأسد في البلاد منذ عقود، بحيث يصبح الاختلاف الأيديولوجي هو الفاصل في تحديد المحظورات والممنوعات فقط. أما الحرية الفردية والحق في الاختلاف والتعبير عن هذا الاختلاف فليست موجودة، لأنها خصائص تتعلق بالنظام الديموقراطي الذي نادى به السوريون في أيام الثورة الأولى.

يتجلى ذلك بشكل واضح في تغريدة حول مفهوم الحرية، كتبها محمد علوش، كبير مفاوضي المعارضة السورية وأحد قياديي "جيش الإسلام" عبر حسابه في "تويتر"، مفصلاً حرية خاصة على قياسه ومهاجماً حق الآخرين في التعبير، معتبراً من يخالفه في الرأي "متدثراً بالحرية" ولا يمت لها بصلة!

ولا تذكر هذه التصرفات القمعية لـ "جيش الإسلام" سوى بمحاكم التفتيش التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى لملاحقة "المهرطقين". وتنتشر عبر مواقع التواصل صور من شوارع دوما علقت فيها أوراق تحمل صور فريق "طلعنا ع الحرية" وتحرض على قتلهم أو محاكمتهم أو طردهم! ورغم أن تلك الدعوات غير موقعة إلا أنها على الأغلب تابعة لـ "جيش الإسلام". خصوصاً أنها تتوافق مع تصرفات مماثلة متكررة قام بها "جيش الإسلام" منذ إنشائه العام 2012، ومن أبرزها وضع نساء وأطفال سوريين في أقفاص حديدية واستعمالهم كدروع بشرية في شوارع مدينة دوما، لأنهم من طوائف دينية أخرى، إضافة إلى اختطاف ناشطين بارزين مثل رزان زيتونة وزملائها من دون الكشف عن مصيرهم حتى اللحظة.

كل هذه التصرفات النابعة من عقلية مليشياوية لا تخدم سوى النظام السوري في نهاية المطاف، الحديث لا يتعلق هنا بفصائل يصنفها المجتمع الدولي ككل على أنها إرهابية مثل "داعش" و"فتح الشام" (النصرة سابقاً)، بل يتعلق بفصائل إسلامية أقل راديكالية، مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" نفسه، وهي فصائل تتفاوض مع النظام في المؤتمرات الدولية في جنيف وأستانا وغيرها، وباتت الوجه الوحيد للمعارضة في البلاد، مع تهميش المعارضة السياسية لنفسها منذ العام 2011 وعدم قدرتها على إنتاج كيانات سياسية تختلف عن الكيانات الكارتونية الحالية.

ولا بد من القول أن هذه الخاصية المزدوجة للمعارضة بين السياسية الهشة والإسلامية - العسكرية هي نقطة ذات تأثير سلبي متبادل على طرفيها أسهم في تطور المعارضة السياسية والعسكرية نحو صورتهما الحالية، ولم يخدم مع مرور الوقت سوى النظام السوري نفسه، الذي بقي بالشكل متماسكاً، لا كدولة، ديموقراطية أو غير ديموقراطية بطبيعة الحال، بل كمليشيا كبيرة تحكم البلاد بالأساليب الوحشية التي تمارسها فصائل المعارضة في مناطق سيطرتها. وهي الخاصية التي تجعل من الاستمرار في الثورة ضد النظام ضرورياً ومنطقياً ولا تجعل منه بديلاً وضامناً للحرية والاستقرار كما يروج عبر دبلوماسيته وماكيناته الدعائية، كما تجعل من الثورة الثانية ضد الإسلاميين ضرورة من أجل العودة بالثورة لروحها الديموقراطية الأولى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها