الأحد 2017/02/05

آخر تحديث: 17:48 (بيروت)

مؤمن، منافق، فاسق أم كافر؟

الأحد 2017/02/05
مؤمن، منافق، فاسق أم كافر؟
increase حجم الخط decrease
منذ اللحظات الأولى في حلقة "العين بالعين"، أعلن الأب اتناسيوس شهوان أنه غير معني بالزواج المدني، فوضع نفسه خارج الحلقة وخارج النقاش الذي دار خلالها. ولاحقاً ترفّع عن الخوض في ما أسماه تنظيماً دهرياً مدنيّاً، فوضع نفسه خارج الواقع وخارج النقاش الذي يدور على أرضه.
على خلاف الأب، الذي اختار النأي بنفسه، رأى الشيخ همام الشعار أن القصة تكمن في القانون الذي يرعى مفاعيل الزواج وآثاره. الشيخ الشعار، بدأ هذه الحلقة من حيث أنهى حلقة "شباب توك" ، التي عرضت على قناة "دويتشه فيليه"، وأعيد عرضها على قناة "الجديد" قبل حوالى الثلاثة أشهر، مما دفع النقاش قدماً عوضاً عن الدوران في حلقة مفرغة.

في حين تخبط غيره في المسائل القانونية، بدا الشيخ محيطاً بموضوعه، دقيقاً في اختيار عباراته وفي شرح الوضعيات القانونية. فهو قاضٍ، والقانون لعبته التي يتقن تسييرها وتطويعها وفك رموزها. لكن الملفت كان إصراره على استعمال قاموسه، متجاهلاً بشكل تام الترجمات الأخرى، ولا سيما الشعبية، للعبارات التي استخدمها. فاستعاد عبارة "فاسقة"، التي أثارت سخطاً عندما استعملها في حلقة "شباب توك"، وشرحها وفق قاموسه الشرعي، مميزاً بين الفسق والكفر. 

فالفسق، بحسب قوله، لا يتضمن إنكار الأحكام الشرعية بل عصيانها فقط، خلافاً للكفر الذي يترتب على الحكم به نتائج تجنب الخوض فيها. وعندما واجهه طوني خليفة بسؤال مباشر حول حكم الردّة، أجاب مميعاً الموضوع: وهل سمعت يوماً بأحد قتل؟ وختم الجواب بضحكة لم يعتنِ بإخفاء استهتارها بحياة من قال عنهم "ما حاجتنا إليهم".

بدا وكأن الشيخ أخذ على عاتقه، دائماً، أن "يستنطق" محاوريه من المتزوجين مدنياً أو من الناشطين المطالبين بإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، لتصنيفهم بين مؤمن وفاسق وكافر ومنافق، ليعرف كيف يخاطبهم. فإن كانوا عاصين فاسقين، نبّههم بصفته مالك مفتاح الجنة وحارس بابها. إلى أن حرية الاختيار، التي يتغنى بها ويظل يردد على مسامعهم بأن دينه يكفلها، لا تشملهم. فمن يؤمن بالإسلام يلتزم بأحكامه كلها. أما من لا يريد أن يلتزم بالأحكام، فهو حرّ بأن يخرج من "ديننا" على حد قول الشيخ، الذي أكد أنه "مع حق أي إنسان غير مؤمن في أن يخرج من طائفته. فلم يبقَ فيها ويكون منافقاً؟". 

الشيخ لم يكتفِ بذلك بل اعلن تأييده لإقرار قانون مدني يخضع له أبناء طوائف الحق العادي واللبنانيون غير المنتمين لأي طائفة. إعلانه هذا شكل مفاجأة لمحاوريه وأربكهم، فلم يشأ الوزير مروان شربل تصديقه إلا أنه عاد واستنتج أن "الشيخ معنا مش ضدنا"، ومثله فعلت الإعلامية بولا يعقوبيان التي اعتبرت أن موقف الشعار متقدم جداً. ومضى وقت قبل أن يقوم طوني خليفة بشرح ما أعلنه الشيخ ومفاده التالي: الديني للمؤمن والمدني للكافر. 

ظهرت بوضوح حقيقة المأزق الذي يحاول الشيخ زج المطالبين بقوانين مدنية فيه، عبر تخييرهم بين إعلان خروجهم من طوائفهم أو بقائهم فيها. وفيما الخروج محكوم بالسيف، أو في أقل تقدير، بالحرمان من كل الحقوق المرتبطة في لبنان قسراً بالانتماء الطائفي، ومنها الحقوق المتعلقة بالأحوال الشخصية والحقوق السياسية والحق بالعمل، فإن البقاء في الطوائف محكوم بالتربيط بحبائل القوانين الشرعية المعقدة التي لا اعتراض عليها لما يسبغونه عليها من قدسية تجعلها فوق النقد.  

الشعار لم يخفِ حماسته لطرد من أسماهم بالملحدين من "طائفته"، وهم بحسب قوله لا يتعدون الإثنين في المئة، اذا عزلوا في طائفة مستقلة أصبحوا أقلية لا تشكل خطراً على طائفته، التي تستتب أمورها بعد تخلصها من المشاكسين المشاغبين مثيري المتاعب. الأمر الذي يضمن استقرار النظام الطائفي، القائم على تعايش المسلم مع المسيحي، رغم "تكفير أحدهما للآخر"، على حد قوله. 

هذا الأمر يدركه رواد غطاس، الذي يرى في زواجه المدني فعل مقاومة لهذه السلطة، ويرفض طرح الشيخ الذي يقضي بتجميع جميع الهاربين من حكم الرعيان في طائفة جديدة تحولهم إلى "غنم".

الغريب كان تعرض غطاس لهجوم من عيار موعظة من قبل الإعلاميين خليفة ويعقوبيان، اللذين أخذا عليه ربطه لشأنه الخاص، أي حريته في اختيار شريكة حياته والقانون الذي يحكم علاقاته الأسرية، بشأنٍ عامٍ هو مواجهة النظام الطائفي. 

الغريب أيضاً هو تعليق يعقوبيان على سؤال طوني للشيخ عن سبب نعته للمتزوجة مدنياً بالفاسقة، حيث أجابت إنه من غير الضروري أن نعرف آراء بعضنا. الأمر الذي يشي بعدم تنبه يعقوبيان إلى كون ما أسمته "رأي" الشيخ، هو في الحقيقة أكثر بكثير من مجرد رأي.

والدليل على ذلك هو وجوده دائماً في مواجهتها ومواجهة كل المطالبين بتشريع قانون مدني، رغم أن التشريع هو من مهام النواب. لكن النواب لا يأتون إلى هذه الحلقات لأنهم لا يملكون قرارهم.

هذا الشيخ، أو الجهة التي يمثلها، قد لا تمتلك مفاتيح الآخرة لكنها تمتلك أقفال الدنيا، والطوق الذي تلفه حول رقاب اللبنانيين محكم ومتين وطويل، يمتد منذ الولادة إلى ما بعد الممات، فتلاحقهم في قبورهم لتنتزع منهم ما رفضوا تسليمه أحياء، فتوزع تركاتهم كما لو كانت ملكها، كما لو كانوا هم ملكها، وسيان إن كانوا مؤمنين أم لا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها