الأحد 2017/12/03

آخر تحديث: 14:01 (بيروت)

مرسال غانم والعصا الغليظة

الأحد 2017/12/03
مرسال غانم والعصا الغليظة
النائب بطرس حرب أعلن عن تطوّعه لتوّلي الدفاع عن غانم أمام القضاء
increase حجم الخط decrease

الإعلامي المخضرم مرسال غانم، والذي يُعدّ أحد أبرز وجوه المهنة وأعرقها بات ملاحقاً قضائياً بتهم "تحقير القضاء" و"تحقير رئيس الجمهورية"، ومطلوب محاكمته على ارتكاب جريمة الصمت، في قضية باتت أبعادها السياسية جلية الملامح ومكشوفة الأهداف، بعدما بدا واضحاً أن داعمي الحملة الممنهجة ضدّ غانم، المُلاحق بكونه لم "يُخرس" ضيوفه السعوديين حين كان يدير حواراً حامياً في لحظة سياسية عصيبة، يدفعون نحو المزيد من التصعيد ضد الإعلامي والمتضامنين معه، وهم الذين لم يحرّكوا ساكناً تجاه أصحاب حملات التحريض والترهيب والتخوين والدعوات لتحسّس الرقاب، لمن يُخالفهم الرأي والموقف ولا يلتقي معهم في الرؤية نفسها. 

هذا الوضع دفع النائب بطرس حرب للإعلان عن تطوّعه لتوّلي الدفاع عن غانم أمام القضاء، التزاماً منه بالدفاع عن الحريات العامة، ولا سيما حرية الإعلام والرأي، ورفضاً لسياسة قمع الحريات وكمّ الأفواه، إضافة لاقتناعه الراسخ أن غانم لم يرتكب أي جرم جزائي يبرر الملاحقة القضائية له، بحسب ما ورد في بيان صادر عن مكتب حرب، أكّد فيه أنّه تلقّى وكالة عامة من غانم لتمثيله والدفاع عنه. وختم بالقول: "يتشرّف مكتب المحامي بطرس حرب بقبول التوكيل، ويضع كل امكانياته القانونية بتصرّف موكله، مراهناً كالعادة على استقلالية السلطة القضائية لإحقاق الحق وإجهاضها لأي محاولة للتدخّل السلطوي أو السياسي لقمع الحريات".

حرب الذي تصدّى سابقاً ليكون محامي الدفاع في عدد من القضايا البارزة والشائكة، يحمل كلامه اليوم أكثر من معنى، أبرزها التأكيد على أن الحرية الإعلامية شأن مقدّس مع التذكير بأنها مصانة بالدستور، الذي حمل الخطاب الرئاسي للعهد الجديد وعوداً باحترامه والمحاربة لأجله، والذي يعني الاستشراس في الدفاع عن الحريات الإعلامية وليس العكس، وما خطوة حرب تجاه غانم سوى ترجمة عملية لهذا المبدأ والإيمان بهذا الحق. وعليه، أراد حرب في بيانه المذكور التصويب على مكامن الفكاك الحاصل ما بين القول والفعل والوعود والممارسات، بعدما أظهرت المواقف ودوافع الهجوم أنّ للقضية هوية سياسية لا لُبس فيها ولا إبهام.

الهجوم على غانم والتحشيد ضدّه بالشكل الذي آلت إليه الأمور، انطلقت دوافعه في لحظة تمترس أصحاب المحاور كلّ من جهته مقابل المحور الآخر، في لعبة شد حبالٍ تنطّح فيها حزب الله وحلفاؤه، لاعتبارغانم أنه جعل من برنامجه منبراً ومنصة للتهجم على رئيس الجمهورية وحزب الله، وبدا  منحازاً للسعودية ومؤيداً لمواقفها، تواطؤاً وانسجاماً مع موقف رئيس "حزب القوات" سمير جعجع واللواء أشرف ريفي وجزء من قوى 14 آذار، الذين هللوا لإقصاء الحريري وحرضوا للانقلاب عليه، في الوقت الذي كان فيه الرئيس ميشال عون يضع نفسه كرأس حربة في الدفاع عن رئيس الوزراء (المستقيل وقتها) سعد الحريري والتمسّك به، ما جعل استهداف "كلام الناس" ومقدّمه عرضة لمحاولة جعلهما عبرة لأهل الصحافة والإعلام الذين يتجرأون على مخالفة أصحاب ومؤيدي الرأي الواحد الواضعين يدهم على السلطة، والتلويح بالعصا الغليظة وتوجيهها نحو رأس مرسال غانم بهدف الإطاحة به، كونه يُعتبر رمزاً من رموز الإعلام اللبناني، عدا عن شبكة علاقاته الواسعة مع السياسيين وأصحاب النفوذ في لبنان، وذلك بقصد جعل أي إعلامي آخر، يتحسس رأسه ويفكّر أكثر من مرة قبل أن يتجرأ على التعبير بحرّية وإبداء رأيه، أو إفساحه حتى في المجال لآخرين بإبداء رأيهم.

ومع أنه ليس من المستغرب أن تقوم السلطة من حين لآخر بمحاولة تطويق وتطويع الإعلام، بهدف إخضاعه وترهيبه، إلا أنّ الُستهجن هو أننا لم نشهد مواكبة من الجسم الإعلامي والصحافي لدعم مرسال غانم وقضيته، توازي التهويل والتحشيد الذي مارسته السلطة ضدّه. إذ إن معظم المواقف من الجهات الإعلامية والسياسية لم تكن بالمستوى المطلوب لناحية الزخم وتقديم الدعم وإبداء الموقف الصارم الذي يستوجبه التضامن مع الحريات الإعلامية، سيما وأن التهديد الذي أطلقه وزير العدل، سليم جريصاتي، من خلال اعتباره أنّ "زمن العهر الإعلامي والمتفلّت من أي ضوابط أخلاقية ومهنية قد ولّى، وأن لا أحد اليوم فوق القانون"، وأن دفاع غانم عن نفسه هو انعكاس لـ "الهيستيريا المتحكمة بمفاصل بعض البرامج السياسية"، هو كلامٌ لاقته معظم وسائل الاعلام بالصمت والتجاهل، باستثناء بعض الردود الخجولة والمبادرات المحدودة في مواقع التواصل، التي لم ترق لمستوى الحدث، الذي يستوجب تحويله إلى قضية حريات ورأي عام تواكبه هبّة إعلامية كبيرة.

فهل نجح من أراد تسييس قضية غانم، ما حدا بالكثيرين الى تهيّب إبداء مواقفهم ودعمهم؟ وهل وصلت الأمور إلى حد يجعل اليد المتحكمة بمسار الامور والمستجدات، أضحت قادرة على كمّ الافواه وربط الألسنة، ما أخرس وسائل إعلام الأحزاب والسياسيين، الذين طالما تغنوا بالحريات وقدسيتها؟ أم أنهم اعتادوا أداء الانتقائية والاستنساب والتلطّي خلف الشعارات الفارغة؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها