الإثنين 2017/11/06

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

سوري.. لكن خواجة

الإثنين 2017/11/06
سوري.. لكن خواجة
اللوحة: سمعان خوام
increase حجم الخط decrease
المسيو مازن سوري، بس خواجة... يعرّف عني صاحب البيت الجديد. ابتلع ريقي. في البداية، كانت تلك العبارة تثير فيّ مزيجاً من سعادة مضمرة، وبعض الاشمئزاز من تمايزي. الآن لم تعد تثير فيّ سوى الاشمئزاز.

أدفعُ مبلغاً تجاوز دزينة من آلاف الدولارات إيجاراً للشقة الجديدة. يبتسم صاحب البيت، ويصافحني بحرارة.. مسيو مازن حبيتك.. حبيتك.. شو ما بتحتاج.. اي شي ناقص بالبيت خبرني.

صاحبة البيت القديم، التي لم يسبق لها أن عرفت بيتها، اكتشفت أن بضع بلاطات في غرفة كنت استخدمها كمكتب، لها لون أغمق قليلاً من بقية البلاط. حسناً، تقرر أن تخصم ألف دولار من المبلغ المقدّم deposit حتى تتضح تكلفة إعادة اللون إلى ما كان عليه، بالإضافة إلى سداد ما تبقى من فواتير الكهرباء المتأخرة لعام كامل. صاحبة الشقة القديمة كانت قد شرفتنا بزيارة، واكتشفت أواصر قربى بعيدة، وأحبتنا من دون معرفة حتى، ولا قرابة.

ناطور الشقة القديمة يناقشني بأنه يتوجب علي دفع مستحقات خدمات البناية عن الشهر المقبل. لكنه يحبني، حتى أنه أنكر معرفته بقصة البلاط من قبل. الناطور لم يبادرني يوماً إلا بكلمة "احتراماتي"، كيف لا وأنا خواجة؟ بل قال إنه سيزورني كي يدخن النارجيلة عندي في الشقة الجديدة، وأنا الذي لا أطيق النارجيلة. الحب الحب..

أخبرُ صاحب الشقة الجديدة بأن هناك نقصاً في تمديدات الكهرباء في البيت، فيجيب بأنه احترمني وأحبني، لكن، وبنبرة عتب، الكهرباء مشكلتي. حسناً، وماذا عن رخام المجلى المكسور؟ وعدّاد الماء غير المركب بعد؟ والبلدية التي تهدد بقطع الماء عنا؟ اختفى صاحب الشقة الجديدة.

معلم الكهرباء زار المنزل وعاين النقص. مسيو مازن، يقول، الإضاءة المخفية ستكلفك 200 دولار، وعشر دولارات عن كل لمبة "سبوت" ناقصة. حسناً، لا بأس. في اليوم التالي، يعود معلم الكهرباء، بلا عدّة ولا سبوتات ولا لوازم الإضاءة المخفية. اسأله أين العدّة؟ فيقول إنه أتى ليعاين الوضع في البداية. ويعرب عن اسمى آيات احترامه وتقديره، قبل أن يختفي. حسناً، سأشتري اللمبات الناقصة، بسعر ستة آلاف ليرة للواحدة، وأركبها، وأرجو الله أن يكون معلم الكهرباء سليماً لم يصبه مسّ.

صاحب مولد (اشتراك الكهرباء)، يؤكد لي ان المولد في خدمتي. وتذهب كهرباء الدولة، ولا تنوّر كهرباء المولد. في ليل اليوم التالي، يأتي العامل، ويطلب 170 دولاراً ثمن كابل اشتراك الكهرباء. أدفع بكامل الرضى والتسليم، ويشكرني، أنا الخواجة الذي أكتشف في اليوم التالي أن الكابل كان ممدداً من قبل.

حسناً، حسناً، من المحبة ما قتل.

صاحبة البيت القديم تؤكد انني سأستعيد الديبوزيت، وفوقه حبة مسك. لا الديبوزيت عاد، ولا ظهرت حبة المسك.

صاحب البيت الجديد، يؤكد أن قصة عدادات الماء قد حلت، ومسؤول البناية ينفي.

ناطور البناية الجديد، يؤمن لي مفتاح موقف السيارات الخاص بالبناية، بعدما وعدني به كريم، مندوب صاحب الشقة الجديدة، لأكثر من أسبوع، بلا فائدة. وحين وصلت أغراضنا، وحاجتي لمفتاح المستودع صارت داهمة، وبعد عشرات المكالمات مع كريم، قال لي: مسيو مازن المفتاح ليس عندي.

أجلب قفلاً جديداً، وبمساعدة النجار الذي يوضب أغراضي، نستبدل قفل الباب. حسناً، المسيو مازن لا يعتب على كريم. فعندما قلت له: كريم انت عم تضحك عليي، غضب بشدة، وقالك معاذ الله، أنا أحترمك وأحبك، لكن عليك مراجعة الشركة صاحبة المشروع.

ثم.. غاليري المفروشات يرسل خزائن المطبخ الجديدة، لكن العامل يعتذر عن تركيبها. تعليمات جديدة لدى الشركة تمنعهم من تركيب أي شيء على الجدران. حسناً، ولماذا لم تخبرونا عندما اشترينا الخزانة؟ لا جواب سوى الاحترام والحب. فما ذنب العامل؟ ينتظر حزيناً حتى ادفع له الإكرامية على عمل لم يكتمل.
أحبهم ويحبونني، أنا الخواجة السوري، التائه في المحبة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها