الثلاثاء 2017/11/28

آخر تحديث: 19:05 (بيروت)

أميركا تقف على أطلالها: لقد فشلنا في سوريا!

الثلاثاء 2017/11/28
أميركا تقف على أطلالها: لقد فشلنا في سوريا!
increase حجم الخط decrease
رغم أن الكلمات المكتوبة لا توصل كثيراً من نبرة كاتبها، إلا أن عبارة "لقد فشلنا في سوريا!" التي كررتها الصحف الأميركية الكبرى، واحدة تلو الأخرى، خلال اليومين السابقين، أعطت إحساساً عاماً بإدراك متأخر للفاجعة بعد حصولها، مع شعور طاغ بالحسرة يرافق الخاسر عند خط النهاية وهو يراقب المنتصرين أمامه، بالتوازي مع وصول الحرب السورية إلى ما يقال إنها نهايتها، عسكرياً على الأقل، وتحولها إلى معركة دبلوماسية سينتصر فيها النظام وداعموه الأقوى، روسيا وإيران، كونهم امتلكوا كافة أوراق النفوذ والضغط المطلوبة لخوض المسار السياسي بعد "الانتصارات الميدانية".


وبدا أخيراً أنا ما رآه السوريون منذ سنوات، من "تخلٍّ" أميركي عنهم، باستثناء حادثة الضربة الجوية على مطار الشعيرات إثر مجزرة الكيماوي في خان شيحون في نيسان/أبريل الماضي، بات واضحاً في الأجواء الأميركية، التي تعترف بالهزيمة المؤسفة ولا توجه النصائح لتجنبها، وتحديداً في ما يخص مسألة قيادة العالم والتنافس مع روسيا، والتي تعتبر الرابح الأكبر من الحرب السورية بعودتها إلى الساحة العالمية كقوة عظمى، وهو أمر لم يكن منطقياً قبل العام 2015 بالنظر إلى تعسر اقتصاد روسيا وشقاء السكان ومؤامرات الكرملين "المسرحية" للتأثير في الديموقراطية الغربية بشكل غير فعال حينها.

لكن التدخل العسكري الروسي لصالح النظام، العام 2015، مكّن موسكو، قبل كل شيء، من تطويق الولايات المتحدة واستعادة مقعدها في صدارة الطاولة الجيوسياسية في الشرق الأوسط والعالم، محققة انتقامها ورجعتها بعد الهزيمة القاسية التي تعرض لها الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة، مع تحولها إلى نمط مروع من البراغماتية القاسية التي لا تمتلك فيها موسكو أي أصدقاء أبديين أو أعداء أبديين وهو ما يظهر بجلاء في علاقاتها المتأرجحة مع دول الشرق الأوسط ومع الولايات المتحدة نفسها، بوجود الرئيس دونالد ترامب صاحب الإعجاب المخيف غير القابل للتفسير بسياسات الكرملين. فضلاً عن صداقاتها الجديدة مع دول مثل إيران وتركيا. وهو ما يراه ديميتري ترينين، مدير مركز "كارنيغي" في موسكو، جوهرياً لفهم الهزيمة الأميركية (فاينانشال تايمز).

والحال أن التغطية الإعلامية العاجزة، لمسار السلام السوري الجديد، والذي يُرسم حالياً بين جنيف وسوتشي، تعكس حالة من الاستسلام بين الأصوات الداعمة لمزيد من التدخل الأميركي في سوريا انطلاقاً من موقف أخلاقي وإنساني محق ضد الديكتاتور السوري بشار الأسد بعد كل المجازر التي ارتكبها في البلاد. ويأتي ذلك الاستسلام أصلاً من تصريحات البيت الأبيض وكواليس السياسة الأميركية التي يغيب ذكرها بشكل لافت لصالح النتيجة الدرامية، والتي تم التحذير منها طوال شهور كثيرة، منذ فوز ترامب بالرئاسة الأميركية.

ومن النادر أن يكون الجو العام في تحليلات صحف مثل "واشنطن بوست" أو "لوس أنجلوس تايمز" عاطفياً، ومع ذلك كان في الإمكان تخيل صُور الماضي والنوستالجيا الأميركية وهي تتطاير من بين السطور، أمام كتابها وقرائها، مع موسيقى حزينة: صورة بشار الأسد مع فلاديمير بوتين، في سوتشي، كانت حاضرة كدليل على الهزيمة الأميركية، ومن قبلها صور انتصارات عسكرية ودبلوماسية روسية في حلب والأستانة وغيرها، تغيب عنها جميعاً الوجوه الأميركية: لقد باتت واشنطن دولة هامشية وبات البيت الأبيض.. ضعيفاً؟!

السبب في ذلك يعود لتاريخ طويل من الأخطاء الأميركية منذ زمن الرئيس السابق باراك أوباما واستراتيجيته التسووية في إدارة الصراع في سوريا، والتي ترحب برحيل الأسد من دون توفير أدوات ودعم كافيين لمعارضيه لإطاحته. وهي الاستراتيجية التي التزم بها الرئيس ترامب من دون التصريح بذلك، عبر تأجيل متكرر لطرح استراتيجية سورية جديدة، ثم مشاركة ترامب بسعادة في "مشروع روسيا الإجرامي" للحل في البلاد، ولو كان من شأن ذلك أن يعزز هيمنة ونفوذ إيران في البلاد بما يعاكس استراتيجيته الإيرانية التي أعلنها الشهر الماضي، فضلاً عن سياسته في دعم الأكراد التي دفعت تركيا، حليف واشنطن العتيق، إلى أحضان موسكو، ثم التخلي عن الأكراد بعدما وعد ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنه سيوقف شحنات الأسلحة الأميركية إلى الأكراد، وهو قرار كان بمثابة المفاجأة الكبيرة لفريق الأمن القومي في البيت الأبيض (واشنطن بوست).

لم تبك أميركا الثورة السورية ولا الشعب السوري ولا أحلام الديموقراطية التي تبخرت، ولم تلتفت كثيراً إلى مستقبل البلاد المظلم، حيث يعزز النظام قبضته الحديدية على البلاد ويتقاسم السلطة مع حلفائه الإيرانيين والروس، والكل يعزز الاستبداد. بل بكت فقط إمبراطوريتها الضائعة ونفوذها السابق وقيادة العالم التي كان البيت الأبيض مركزها الوحيد في يوم من الأيام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها