newsأسرار المدن

لفقراء الضاحية.. آلهة من تَمر

نذير رضاالخميس 2017/10/26
3.jpg
الطائفة الشيعية، ترى مقتلتها في انقطاع رزقها، وليس في معارك داخل الحدود وخارجها (ريشار سمور)
حجم الخط
مشاركة عبر
لم تثبت التوترات التي اختبرتها الضاحية الجنوبية لبيروت، منذ ثورة "الرغيف" في أيار 2004، أن ما يحصل قد يرتقي الى مستوى التمرد، أو الانتفاضة بوجه الدولة وممثليها من الاحزاب الحاكمة في المنطقة.. ما يؤكد أن التقديرات الإعلامية لما يجري بوصفه "ثورة" على "حزب الله"، بدليل شتيمة أحدهم لأمينه العام، تنطوي على مبالغة، وسوء تقدير. 

ما يحصل في الضاحية عملياً، لا يتجاوز "حالة" اعتراض على خروج الاحزاب عن عهدها بحماية المخلّين، لقاء كسب تأييدهم وشراء سكوتهم، وهي صفقة مفضوحة، تنتشر على مساحة الجغرافيا اللبنانية، بدأت منذ تأسيس الكيان، ولا سبيل لتبرئة أي زعامات منها. 
هؤلاء الفقراء الساكنون على الهامش، في سائر المناطق، لم يدخلوا فعلياً "سيستم" المحاصصة في الوظائف والصفقات الكبيرة، فصنعوا حيثيتهم على أنقاض هيكل الدولة الغائب، وبنوا زعامة من فوضى، مستفيدين من غياب الدولة، والقدرة على حسم الخلافات القانونية بـ"بوسة لحية"، ومتسلحين بدعم حزبي كسب ودّهم، وشكلوا له قاعدة انتخابية في مناطقهم، وجيشاً من المؤيدين يُستخدم حين تدعو الحاجة على سائر الصُعُد. 

لكن لفقراء الضاحية، ميزة مختلفة. هؤلاء، ومن فرط ادعاء الولاء لحزب الله، (أو هكذا يصورهم الإعلام)، ظهروا في مشهد تضحية مخالف لحقيقتهم. ففي الواقع، صنع هؤلاء آلهة من تمر، يأكلونها حينما يشعرون بالجوع، وقد فعلوا ذلك أمس أمام العدسات، حينما لامس القانون مصدر رزقهم، وغاب الزعيم عن تغطية المخالفة، وتضارب الولاء السياسي مع لقمة العيش. 

على أن الشتيمة التي أطلقها أحد سكان حي السلم بحق الأمين العام لحزب الله (واعتذر عنها اليوم الخميس)، لا تخرج عن السياق الطبيعي لردود الأفعال المتوقعة، حين يغيب الغطاء عن مخالفة القانون. سُمِع ما يوازيها قبل ذلك في "ثورة الرغيف" في 2004، من تأكيد على أن هذه البيئة ضحت في مقاومة اسرائيل، كما تردد أمس في ما يخص حرب سوريا. لكن الفارق بين الانتفاضتين، أنه في الأولى لم تكن هناك مواقع تواصل تنقل فحوى الاعتراض، فيما لم يعد ممكناً إخفاء أي اعتراض في زمن "السوشيال ميديا". 

والواقع أن "التهويل" بملف قتلى الحزب في سوريا، من قبل المتظاهرين، لا يخرج عن اطار "الضغط" أمام عدسات الإعلام، لتضخيم الحدث. ذلك ان البيئة التي لم تعترض منذ 4 سنوات على قتال ابنائها في سوريا، لن تنتظر فرصة مشابهة لحادثة حي السلم لتخرج الاعتراضات في سياق "الابتزاز الاعلامي"، والذي بدا فردياً، ومطروحاً للمساومة مقابل بقاء "كشك" لبيع القهوة. 

فالطائفة الشيعية، ترى مقتلتها في انقطاع رزقها، أو ما تسميه "تعسف الدولة" لها، وليس في معارك داخل الحدود وخارجها، بالنظر الى انها ما زالت تعيش هاجس "الاضطهاد" و"الحرمان"، وقد تكون آخر الطوائف التي ساهمت الظروف في اخراج بعض أطرافها منه، بينما لا يزال المعدمون عالقون فيه. 

لذلك، فإن محاولة "مساومة التضحية بالمخالفة" التي ظهرت على الشاشات، لم ترتقِ الى مستوى التمرّد، ولو أنها أظهرت قدرة على الاعتراض، في حال المساس بلقمة عيشها. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث