حجم الخط
مشاركة عبر
يتورط كثيرون في مصر في المقارنة بين نظامين لا يفصل بينهما الكثير: حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي، لتكون في صالح الأول دائماً. وهو الفارق بين رجل الدولة بمعناها الكلاسيكي ومقتضياتها السياسية، والثاني المتخبط بين كراهيته للسياسة وترفعه عنها واضطراره إليها في الكثير من الأحيان.
استطاع مبارك أن يؤسس "كود سياسي" يتعامل الجميع معه، ويلتفون حوله. في فترات الضغط يلجأ إلى حلول هي بمثابة أنساق معلومة ليخرج من مآزق سياسية داخلية وخارجية. بعبارة أخرى، فترة مبارك شملت "حداً أدنى للممارسة السياسية" وحداً أدنى لاحترام القوانين.
أما السيسي فهو مترفع تماماً عن كل هذه التفاصيل، فلا هو استطاع تحويل البلد إلى ثكنة عسكرية كبيرة، يخضع له الجميع بالسمع والطاعة من دون تفكير، ولا هو استطاع "تقليد" اللعبة السياسية في فترة مبارك، لتكون "ِشبه الدولة" كما وصفها هو، من صنيعته وحده.
أما السيسي فهو مترفع تماماً عن كل هذه التفاصيل، فلا هو استطاع تحويل البلد إلى ثكنة عسكرية كبيرة، يخضع له الجميع بالسمع والطاعة من دون تفكير، ولا هو استطاع "تقليد" اللعبة السياسية في فترة مبارك، لتكون "ِشبه الدولة" كما وصفها هو، من صنيعته وحده.
مثل هذه الفوارق تظهر في تعامل دولة السيسي ونظامه مع "أزمات" تورط فيها أهل ثقته، أو أزمات بين فئتين من أهل ثقته، كيف يكون التعامل الأمثل؟ يظهر ذلك جلياً في الواقعة التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالفعل. أشعلته وأطلقت غضباً مبيتاً ضد أحمد موسى ولامهنيته وترويجه للأكاذيب بدأب مَن لا يخاف زوالاً، بعد إذاعته تسجيلاً صوتياً أعلنت وزارة الداخلية أنه تسجيل مفبرك منسوب لأحد الناجين من واقعة الواحات.
مئات التغريدات انفجرت تحت هاشتاغ #أحمد_موسى مطالبة بوقفه، وإبعاده عن الشاشة، ليس لأنه يخالف قانون دولة السيسي الذي يقر بأن ما يضر بأمن البلاد ومنها جرائم نشر وإذاعة معلومات مغلوطة ضد الدولة يتم إحالتها إلى محاكم أمن الدولة العليا، وذلك وفقًا لقانون الطوارئ الذي جرم ذلك. بل لأنها ليست المرة الأولى له، وجرائمه على الهواء كثيرة والقضايا المرفوعة ضده كارثية، لكنه كل مرة يخرج منها ببساطة، كأنه أكبر من القانون، بل هو أكبر من القانون بالفعل، أليس هو رفيق السيسي في رحلاته الخارجية، وصوته الأعلى في الميديا؟
بعد نشر التسجيل، أعلنت نقابة الإعلاميين على لسان النقيب، حمدي الكنيسي، إيقاف موسى، الى حين الانتهاء من التحقيق معه. واعتبرت النقابة أن ما جاء فيه من محتوى إعلامي في الحلقة يتنافى مع قانون نقابة الإعلاميين وبالتحديد المادة 69 منه، التي تتحدث عن التناول الإعلامي الذي يؤدي إلى الإخلال بالمصالح العليا للبلاد ومقتضيات الأمن القومي المصري، وأيضاً ميثاق الشرف الإعلامي. واعتبرت النقابة أنه من واجبها التصدي لهذه المخالفة. تالياً قرر المجلس إيقاف موسى عن العمل الى حين التحقيق معه، مع متابعة التصرف الجنائي في الواقعة أمام النيابة العامة.
لكن موسى خرج على الهواء بعد ساعات من القرار، وكأن قرارات النقابة لرواج الإعلامي فحسب، لكن موسى "تنازل" واعتذر على الهواء قائلاً: "أنا بشر بشتغل هواء طول الوقت ووارد الخطأ الذي لم يكن مقصوداً، وحق الاعتذار واجب، لكن يوم الجمعة كله كان مفيش معلومة والناس بتكلمني وتصرخ وقررنا نطلع يوم السبت الساعة 3 لمواجهة الأخبار الكاذبة التي انتشرت وأقولكم الحقيقة، وهذه كانت نيتي، وكله كان بيقول كلام مش صحيح، وقلنا حقيقة ما جرى، وهذه رسالتنا، ولا ينقص شيئاً منى الاعتذار".
اعتذاره بالطبع يحمل قدراً كبيراً من التعالي. بل لا يعتبر اعتذاراً، بقدر ما هو تبرير زلة في ثوب مسؤولية أمنية كبيرة يعطيها لنفسه.
لكن خروجه على الهواء، أوقع النقابة في ورطة وحرج كبيرين، فكيف لإعلامي أن يضرب بقراراتها عرض الحائط ويخرج على الهواء كأن شيئاً لم يكن؟
حمدي الكنيسي نقيب الإعلاميين نفسه، خرج لتبرير ظهور موسى وخفت حدة لهجته رغم مرور أقل من 24 ساعة على بيانه، "أولاً قول أحمد موسى إن الخطأ غير مقصود حقيقي، لأنه لا يمكن أن يكون تعمد إذاعة هذا الفيديو لما يحمله من إساءة لمصر كلها.. الخطأ المهني الذي وقع فيه أحمد موسى هو عدم الدقة وعدم التأكد من صحة التسجيل قبل إذاعته، وانتظار التحقيقات حوله.. بسبب عدم وجود أحد بالقناة ليتسلم إخطار النقابة ظهر على الهواء، والسبب الثاني أن مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام صرح أنه لا داعى للعقاب، بينما النقابة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في متابعة ومعاقبة الإعلاميين بحكم القانون".
أحمد موسى إذن أقوى من نقابة الإعلاميين وقوتها القانونية، لأنه ابن هذه المنظومة فيعتبر أنه "أخطأ وسنشد أذنه بمعرفتنا"، لكن عقابه قانونياً ليس في مصلحتنا. ولأن الخطأ هذه المرة يخص شأناً قومياً حساساً مثل إرهاب الواحات، كان الظن بأن عقابه أمر حتمي، أي "كبش فداء" تضحي به الدولة لأجل الرأي العام، لكن يبدو أنها لا تكترث، ولا تريد أن تكترث، وسيبقى أحمد موسى جاثماً على أنفاسنا كالموت طالما أن نظام السيسي مستمر، وموسى يقدم خدماته الأمنية الإعلامية بتفانٍ، فلا مشكلة إن أخطأ أو أجرم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها