ومنذ شهر تقريباً بات الحديث عن ملكة جمال البلاد بعد سنوات الحرب موضوعاً رائجاً عبر مواقع التواصل السورية، رغم أن الحديث عن تنظيم المسابقة يعود إلى مطلع العام الجاري، وبغض النظر عن السطحية المرافقة للتعاطي مع الموضوع من زاوية تداول صور المشاركات في مسابقة ملكة جمال سوريا، والتعليق على مدى "قبحهن" أو التهكم على أشكالهن بأن "الجمال هو جمال الروح"، إلا أن الحدث نفسه يحمل الكثير من الجوانب الدعائية الموجهة للداخل والخارج على حد سواء.
وفي البداية يتم تقديم الحدث على أنه مبادرة محلية مدنية، قبل أن يتم الكشف أنها من تنظيم وكالة "سيريا توب موديلز" التي يترأسها سالم مارديني بالتعاون مع مؤسسة "إيكويتي" للمعارض التي يديرها حسام نفاخ، برعاية وزارة السياحة التي تحرص على إعادة المسابقة للأضواء بعد إلغائها العام 1965 بعد عامين فقط من استيلاء حزب البعث على السلطة.
ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن مارديني الذي يبدو أنه مجرد واجهة مدنية للمسابقة، خصوصاً أنه يقوم وحيداً بكافة المقابلات الإعلامية المتعلقة بالمسابقة، أما نفاخ فيتم تجاهله عبر وسائل الإعلام الرسمية، رغم أنه صاحب سجل حافل في الموالاة للنظام ويعتبر شخصاً مشهوراً إلى حد ما في الأوساط الموالية، عبر تنظيمه لعشرات الفعاليات لدعم جيش النظام والاحتفال بانتصاراته منذ العام 2011 عندما أسس مجموعته المرخصة "بصمة شباب سوريا" التي نظمت العام 2011 فعالية "قسم الوفاء للوطن ولسيد الوطن" في العاصمة دمشق، في ذكرى تأدية بشار الأسد القسم لتوليه مناصب الرئاسة، كرسالة دعائية حينها ضد الثورة السلمية التي كانت تنتشر في البلاد، لتنظم المجموعة منذ ذلك التاريخ الكثير من الفعاليات التي تحشد الشباب السوري الموالي للنظام في مظاهر دعائية أمام عدسات الإعلام المحلي والعالمي على حد سواء.
في ضوء ذلك، تقوم المسابقة الحالية بلعب دور دعائي بحت، على عدة مستويات، فمن جهة تشكل المسابقة استمراراً لجهود النظام السابقة في الترويج لفكرة انتهاء الحرب في البلاد، مثل "معرض دمشق الدولي"، والتي يسعى النظام عبرها لتقديم نفسه بصورة مدنية "متحضرة" بموازاة التيار السائد حالياً في الأوساط السياسية العالمية والذي يضمن للرئيس السوري بشار الأسد البقاء في السلطة، ومن جهة أخرى يبعد النظام عن نفسه صفات رافقته مثل التخلف والرجعية بتصوير نفسه على أنه جهة شرعية تراعي حرية النساء وتقدم مناخاً من الحرية بعكس "المعارضة الإسلامية المتطرفة".
وتبرز هنا تصريحات وزير السياحة السوري بشر يازجي الذي أكد أن الحكومة السورية تعمل على "تأطير مشروع مسابقة ملكة جمال سورية لتكون الفائزة ممثلة لسورية مجتمعياً في العالم" واصفاً المسابقة بأنها "مشروع مجتمعي".
ومن الطبيعي أن وسائل الإعلام الغربية ووسائل البروباغندا العالمية الممولة من الكرملين مثل "المصدر نيوز" لم تلتفت لتغطية الحدث بعد لأنه مازال في طور التحضيرات، فمن المقرر إجراء حفلة انتخاب ملكة جمال سوريا 2017 في فندق "الشيراتون" وسط العاصمة دمشق، في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حيث تتنافس 17 فتاة سورية لنيل اللقب عبر تصويت الجمهور في الموقع الإلكتروني للمسابقة ونقاط تغطيها لجنة تحكيم "سرية".
الملاحظة المذهلة هنا، والتي تثبت مدى دعائية الحدث بطبيعة الحال، هي تغاضي المسابقة عن شرطين من الشروط العالمية المطلوبة في أي مسابقة للجمال، وهما إلغاء الظهور بالمايوه وملابس السباحة وعدم زواج الفائزة باللقب خلال الخمس سنوات القادمة، لأن "سوريا بلد شرقي"، رغم أن المسابقة تعلن أن الفائزة بها ستكون مرشحة سوريا لمسابقة ملكة جمال الكون، التي تتطلب الشرطين السابقين، حسب تصريحات لمارديني.
ويعود ذلك بكل تأكيد لعدم رغبة النظام في إثارة المجتمعات المحافظة الموالية له، والتي مازالت تنظر بتحفظ إلى أجساد النساء، وتحديداً في الأوساط السنية التي كانت موالية للنظام أو عادت إلى مناطق سيطرته بعد انتصاراته العسكرية الأخيرة، علماً أن جميع المشتركات من بيئات موالية للنظام (6 من طرطوس و5 من حمص و3 من اللاذقية و3 من دمشق).
تتقاطع هذه النقطة مع بحث النظام السوري في السنوات الأخيرة عن هوية ثقافية تعطيه الشرعية السياسية أمام المجتمع المحلي، بغض النظر عن فكرة أنه محارب للإرهاب أمام المجتمع الدولي، مع تخليه عن أفكار العروبة والقومية. حيث يروج النظام منذ سنوات لفكرة الهوية السورية الممتدة منذ آلاف السنين ويرسم نفسه على أنه وريث لتلك الحضارات السورية القديمة على مر القرون، والتي كانت "منفتحة من دون انحلال ومتدينة من دون تشدد"، في تطبيق لمبادئ الفيلسوف الأميركي صامويل هنتنغتون في كتابه "صراع الحضارات" والتي تفيد بأن "الاقتصاد يتبع السياسة والسياسة تتبع الثقافة".
ولهذا كله يتم في صفحة المسابقة الرسمية في "فايسبوك" استرجاع صور ملكات جمال سوريا السابقات في خمسينيات القرن الماضي كدلالة على أن المجتمع السوري يتقبل الجمال والجسد بعكس العرب والفكر القومي الذي كان سائداً بعد ذلك خلال فترة منع المسابقة، ويتم تجاهل أي ذكر إلى أن النظام السوري البعثي نفسه هو من قام بذلك المنع، مع التلميح إلى أن النظام البعثي "القديم" هو المسؤول عن ذلك بعكس حقبة الرئيس بشار الأسد الجديدة التي تقدم حداثة مستمدة من "خصائص المجتمع السوري".

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها