newsأسرار المدن

هكذا تكلم فؤاد حميرة..

وليد بركسيةالثلاثاء 2017/10/03
فؤاد حميرة .jpg
حجم الخط
مشاركة عبر
لم تكن موهبة وثقافة السيناريست السوري فؤاد حميرة كافية كي يحافظ على حضوره ضمن خريطة الدراما السورية المتراجعة بحدة في السنوات الأخيرة، ولم يشفع له تاريخه المميز من الأعمال الناجحة كي يبعد عن نفسه شبح الفقر واليأس وقلة فرص العمل "لأنه علوي" وليس سنياً، فغاب الكاتب المشهور بواقعيته وانتقاداته الحادة للسلطة، منذ انطلاقة الثورة السورية عن الشاشة الصغيرة، مجبراً، لأسباب إنتاجية وطائفية وسياسية متعددة.


وفي مقطع فيديو شديد الذاتية والعمومية في وقت واحد، تناول حميرة كل تلك الأسباب بحرقة وهو يعلن عن الحالة المادية والنفسية الصعبة التي يعيشها، بلا عمل تقريباً في تركيا التي قرر العودة إليها منهياً رحلة لجوء قصيرة في فرنسا العام 2015. وبقدر ما يبدو حميرة ضحية لكل ما يحدث في البلاد، من فساد ودمار وحرب وتراجع في الإنتاج وغيرها، إلا أنه يلخص ببراعة المشهد الروتيني المتكرر لحالات إقصاء الموهوبين في الوسط الفني السوري.



وكانت التجربة الفنية الوحيدة لحميرة بعد الثورة، هي سلسلة درامية عبر "يوتيوب" لم تلق نجاحاً يذكر بعنوان "رئيس ونساء" والتي لعبت فيها البطولة الفنانة المعارضة مي سكاف وأنتجتها صحيفة "زمان الوصل". وبقدر ما كانت التجربة سيئة بمقاييس دراما الإنترنت، غير الموجودة أصلاً في العالم العربي، يتجه حميرة إلى تكرارها في مشروع جديد أعلن عنه ضمن الفيديو الأخير، ليس لشغفه بتجربة "يوتيوب" أو حرية الفضاء الفكري الذي يوفره الإنترنت، بل لأنه لا يجد مكاناً له ضمن خريطة الإنتاج الحالية، التي يتصدرها أنصاف الموهوبين الذين أساؤوا في العامين الماضيين تحديداً لتاريخ الدراما السورية ككل، كما أن حميرة بنفسه في مطلع الفيديو يعترف بجهله في التعامل مع التقنيات الحديثة.

ويجب القول انه لا يمكن لوم حميرة (51 عاماً) على علاقته غير الوطيدة بالتكنولوجيا، ولا يمكن لومه على مستوى أي منتج فني يقدمه في "يوتيوب" وعبر الإنترنت، بل يجب أن ترفع له القبعة لكونه يصر على التواجد والقيام بالشيء الوحيد الذي يحبه ويرغب في القيام به، وهو الكتابة الدرامية والفن، ولا يعني ذلك الشعور بالشفقة عليه أو حتى التعاطف معه، بقدر ما يعني النظر إلى حقيقة التهميش الممارس في سوريا ضد المبدعين والمميزين في مختلف المجالات، الفنية وغير الفنية، بناء على أسباب طائفية وسياسية ودينية، تساهم كلها في خلق حالة من الإحباط.

ورغم أن الفيديو ينطلق من حالة الإحباط الشخصي لتوصيف الحالة العامة إلا أنه لا يشكل في النهاية حالة من اليأس، كما أنه لا يشكل نوعاً من الاستجداء الرخيص بسبب الحالة المادية الصعبة لحميرة الذي يصف نفسه بأنه "يشحذ" (أو يتسول) بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن حميرة هنا لا يطلب شفقة بل يعلن عن عدد من المشاريع التي سيقدمها قريباً في "يوتيوب"، والتي يقوم فيها بعمل كل شي بمفرده، من كتابة وتصوير وتمثيل، وكأنه يتحول مجبراً من شخصية ثقافية وتلفزيونية إلى نسخة أقل شباباً ومرحاً وأكثر إحباطاً وهموماً من نجوم السوشيال ميديا الحاليين كالمميز عمرو مسكون على سبيل المثال.

في السياق، يكشف حميرة عن طلبات شركات الإنتاج له بالابتعاد عن السياسة في أي مشروع يتم التفاوض معه بشأنه، وهو طلب لا يمت للمنطق بصلة، لأنه لا يمكن انتزاع المجتمع السوري من سياقه السياسي، في المنطقة وفي الداخل السوري على حد سواء. فيما تطلب شركات الإنتاج الموالية للنظام أن يكون الحديث السياسي ضمن رؤية النظام للثورة بأنها "عمل إرهابي" مع التركيز على تاثير الإرهاب على النواحي الإنسانية، ووضع شروط تمنع التعبير عن أفكار حميرة، وآخرين، عن أسباب نشوء هذا "الإرهاب" وأبرزها القمع والاستبداد وسنوات الدكتاتورية والاستفزاز الطائفي وتكريس مكانة كبيرة لرجال الدين في المجتمع، وكلها تولد التطرف والإرهاب والتمرد والثورة، بغض النظر عن التسمية.

تفسر الأسباب السابقة كلها رداءة الدراما السورية في السنوات الماضية وإحجام القنوات الفضائية العربية عن شراء الأعمال السورية، ما تسبب بأزمة كبيرة في رمضان الماضي بعد عدم عرض 8 أعمال كبيرة دفعة واحدة، كما تعطي تلك الأسباب تفسيراً لظاهرة "دراما اللاشيء" التي باتت سمة وحيدة للدراما في البلاد، عبر كم كبير من المسلسلات التي لا تحتوي أي قصة ولا تدور فيها أحداث مهمة ولا حتى حوارات عميقة أو غير عميقة، بل تركز على تصوير المنازل الفخمة والممثلات الجميلات وعمليات التجميل والعلاقات الغرامية المحرمة، وهو ما يتجلى بشكل أكبر في الدراما العربية المشتركة ذات الأساس السوري، وهي بيئة غير صحية لصناعة الدراما يشبهها حميرة بأنها "صحراء معقمة".

ومن اللافت أن أزمة الدراما قد لا تكون محلية بشكل كامل، بل تتمدد إلى رأس المال الأجنبي، الخليجي تحديداً، الذي كان ناشطاً طوال سنوات في الاستثمار في الدراما، وبات هذا الخيار مسيساً بدوره حتى لو كان أصحابه معارضين للنظام السوري وداعمين للثورة، خصوصاً أن المحطات الخليجية تركز حالياً على الصراع السني - الشيعي وعلى التطرف المسيء للإسلام، وهو ما يتعارض مع وجهة نظر حميرة بأن الحكومات الخليجية هي راعية للإرهاب بدورها، كما أن أصول حميرة العلوية جعلته مكروهاً من كثير من داعمي الثورة السورية "السنية"، في نوع من الطائفية التي جعلت الثورة السورية ككل تفشل في نهاية المطاف، والتي حرفت الصراع في سوريا عن سياقه الأصلي أساساً.

والحال أن كتاب السيناريو عموماً لا يحظون بنجومية مثل الممثلين أو حتى المخرجين، لكن اسم حميرة كان واحداً من أسماء قليلة على مستوى الكتابة التي لمعت وكان الناس ينتظرون مشاهدة جديدها، بسبب تركيزه الواضح على تقديم دراما شديدة الواقعية من دون خطوط حمراء في ما يخص الانتقادات السياسية والاجتماعية والدينية، وتجلى ذلك في اعمال مثل "رجال تحت الطربوش" الذي أخرجه هشام شربتجي العام 2004 و"غزلان في غابة الذئاب" من إخراج رشا شربتجي العام 2006، علماً أن حميرة تعرض للاعتقال من طرف النظام السوري العام 2013 بسبب مواقفه السياسية.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث