وتصف الوزارة، الحملة، بشيء لا يخلو من السخرية السوداء، بأنها "دعوة لنشر المحبة والفرح بين كل السوريين"، ويروج النظام لنفسه هنا بأنه صانع للسلام ومروج لقيم الحب والتسامح والفرح، لا ليمحو صورته الدموية بعدما تسبب في أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بل ليعزز نفيه للتهم الموجهة إليه في هذا السياق، والتي تتضمن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بالاستفادة من زخم تحول مسار الحرب في البلاد لصالح النظام، منذ العام الماضي.
ونسقت الوزارة حملتها مع فرق تطوعية وعدد من مؤسسات العمل المجتمعي وتضمنت العديد من الفعاليات والاحتفالات الفنية. بموازاة حملة أخرى من الوزارة أيضاً تحت شعار "من دمشق سلام" في ساحة المسكية أمام الجامع الأموي، وتضمنت تراتيل دينية وموسيقا صوفية وعروضاً فولكلورية.
وبثت وسائل إعلام النظام والصفحات الاجتماعية الموالية في "فايسبوك" مقاطع لحشود في شوارع العاصمة وهم يحتفلون بـ"السلام" رغم أن القيمة الوحيدة الملازمة للبلاد منذ العام 2011 هي الحرب التي يشنها النظام على شعبه، بعد الثورة التي حصلت في البلاد ضد الحكم الاستبدادي من أجل المطالبة بالديموقراطية ومزيد من الحريات المدنية.
وعلى الرغم من أن الحرب السورية الدموية لم تنته بعد، حيث تشهد مناطق مختلفة من البلاد اشتباكات متفرقة وتحديداً في محافظتي الرقة ودير الزور، إلا أن نتيجة واحدة باتت واضحة إلى حد كبير كمعطى عام، وهي أن الرئيس بشار الأسد باق في السلطة، ففي ساحة المعركة، لا يبدو أن هناك أحداً يملتك القدرة على إسقاطه وهزيمته، مع تراجع قوات المعارضة تدريجياً، وإلغاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الذي كان يزودها بالأسلحة والدعم، فيما تتم هزيمة تنتظيم "داعش" وإنهاء خلافته المزعومة في البلاد وطرده من معاقله المتبقية. إضافة لعدم وجود أي طروحات سياسية بديلة.
وعليه فإن الفعالية ليست سوى حلقة جديدة من سلسلة فعاليات ونشاطات دعائية قام بها النظام طوال الصيف الماضي، مثل معرض دمشق الدولي الذي شهد أول دورة له منذ العام 2011، وهي نشاطات تهدف إلى إظهار الحياة بصورة طبيعية مبالغ فيها من أجل كسب الشرعية في مرحلة ما بعد الحرب نفسها وتحديداً في ما يخص مرحلة إعادة الإعمار.
ويجب القول أن القوى الإقليمية والمسؤولين الأجانب، والسوريين أنفسهم في صفوف الموالاة والمعارضة، يتصرفون بشكل متزايد كما لو كان الأسد سيحكم لسنوات مقبلة، وإن كان تناقصت مساحة البلاد كثيراً. فمن جهة بدأ حلفاؤه يهللون لما يرونه انتصاراً وشيكاً، فيما تتحدث حكومته عن اعادة إعمار الدولة المدمرة بتوقيع اتفاقيات مع الحلفاء في هذا الصدد مثل اتفاق مع إيران لإعادة بناء شبكة الكهرباء.
ورغم كل ادعاءات النظام فإن نهاية الحرب لا تعني الاستقرار، إذ يواجه نظام الأسد الكثير من المشاكل والتحديات. فهو ما زال منبوذاً في الكثير من أنحاء العالم، كما أن الأسد يترأس أرضاً مدمرة ومقسمة، وإذا خرج منتصراً من دون أي مفاجآت فمن المرجح أن سيكون حاكماً لدولة ضعيفة تتقاسم سيادتا القوى الأجنبية وتفتقر إلى الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، لكن قدرته على التحمل لها تداعيات خطيرة على البلاد وعلى الشرق الأوسط، ما يؤثر في آفاق استقرار سوريا في المستقبل، وفي عودة اللاجئين إلى ديارهم وعلى مدى استفادة الحكومة السورية من الأموال الدولية لإعادة بناء مدنها المدمرة.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها