الأحد 2016/08/21

آخر تحديث: 18:40 (بيروت)

يوميات الوزير البعثي "روبن هود"

الأحد 2016/08/21
increase حجم الخط decrease
رغم تحوله فجأة إلى "نجم" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما زال اسم عبد الله الغربي، مجهولاً بالنسبة لمعظم السوريين، كبقية الوزراء والإداريين في حكومة النظام. أما صوره التي تناقلتها المواقع والصفحات الموالية، أمس، أثناء تفقده السكان، ومحاولة "نشر العدالة" مثل "سوبر هيرو"، أو "روبن هود"، في أحياء دمشق ومخابز منطقة برزة - شمالي العاصمة، فلم تكن كافية لتغيير أجيال من البيروقراطية والتعفن في العمل الرسمي.

نشرت صفحات سورية (دليلك في دمشق، دمشق الآن، ..)، السبت، صوراً للغربي (وزير التجارة الداخلية) بثياب "كاجوال" من دون ربطة العنق والقميص ذي الياقة العالية والمكوية بصرامة بعثية، وهو "يتجول في مؤسسات رسمية وواقفاً على طوابير الازدحام مشاركاً المواطنين حياتهم اليومية"، مع إشارات إلى "دهشة الحضور" الذين لم يتعرفوا عليه بطبيعة الحال وظنوه أحد رجال الأمن في أفضل تقدير.

الجولة "العفوية" بالثياب البسيطة، من دون مرافقة أمنية، ليست الأولى للغربي. فمنذ مطلع الشهر الجاري تنشر الصفحات الموالية صوره وتروج له كبطل الحكومة الجديد، ضمن سياق البروباغندا التقليدي بأن النظام يسهر على راحة مواطنيه من دون حواجز وبتلقائية، وفي مدن عديدة، منها حلب. حتى أن مقالات كتبت في مواقع وصحف موالية ورسمية، وصفته بأنه الوزير الشريف، على طريقة شخصية "أحمد عبد الحق" في مسلسل "يوميات مدير عام" الشهير، والتي أداها الفنان أيمن زيدان في التسعينيات، رغم أن الوزير في حالته الحقيقية اليوم ليس متنكراً.

تاريخ الوزير الحافل يجعل العنوان الأمثل لصوره اليوم "يوميات وزير بعثي". فهو من مواليد مدينة تلكلخ بمحافظة حمص وسط البلاد، ويحمل إجازة في هندسة المعلوماتية وشهادة دكتوراه في الإدارة، إضافة الى كونه بعثياً عتيقاً وناشطاً في "الحزب الحاكم" منذ العام 1981، إلى حد وصوله لمرتبة عضو منظمة قيادة حزب "البعث" في مدينة ليون الفرنسية، وعضو المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سوريا في فرنسا، وعضو مؤتمر شعبة المدينة الثانية فرع دمشق، وعضو مؤتمر فرع دمشق للحزب لدورات عديدة.. وكلها مناصب وصِفات مخيفة تنزع عنه الوجه اللطيف الذي يحاول الظهور به منذ تقلده منصب وزارة "التجارة الداخلية وحماية المستهلك"، مطلع تموز/يوليو الماضي، وهو الاسم الوحيد في حكومة النظام الأخيرة، الذي لم يشغل أي منصب وزاري من قبل.

بحسب ناشطين موالين، فإن صور الغربي (54 عاماً) في دمشق، أتت بالمصادفة البحتة خلال عودة الوزير من اللاذقية ورؤيته للازدحام، وفضوله لمعرفة السبب فقط. وذلك بعدما نشرت له صور مماثلة في المرفأ هناك. وذكرت أن نزول الوزير من سيارته إلى الشارع أتى نتيجة "فضوله" لمعرفة ما يجري، ليُصدم كما يبدو بمشهد الطوابير في انتظار الخبز أمام الفرن، وبمشهد الأطفال المتشردين الذين يبيعون الخبز على الأرصفة، وكأنه لم يكن يعلم بكل تلك المشاهد المأساوية من قبل، عندما كان في مكتبه الفاخر وفي اجتماعات "مجلس الوزراء" الأسبوعية!

في وقت لاحق، أنشئت صفحة معجبين للوزير باسم "محبي الدكتور عبد الله الغربي"، لكنها توقفت عن العمل بعد ساعات قليلة، في ما يبدو أنها نتيجة توجيهات من الوزير نفسه للحفاظ على صورته "المتواضعة"، علماً أن الصفحة كانت تنشر صوراً بدقة عالية وحرفية ومعلومات مقربة من الوزير، بعكس الصور الأخرى التي التقطها مدنيون عاديون بهواتفهم المحمولة، فيما لا توجد حسابات شخصية له في "فايسبوك" أو "تويتر" وحتى "إنستغرام". فالطريقة الجديدة للترويج له، تعتمد مبدأ اللامباشرة من طريق تسريب صور غير رسمية بوصفه "مواطناً" لا أكثر.

والحال، أن حكومة النظام الجديدة في حاجة ماسة إلى صناعة بطل من هذا النوع لتحسين صورتها الداخلية لدى جمهورها من الموالين، مع تدهور الأداء الحكومي في مناطق سيطرة النظام، لجهة ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة السورية، فضلاً عن ملف الكهرباء التي باتت نوعاً من الرفاهية بسبب ساعات الانقطاع الطويلة. وكلها أسباب جعلت الموالين للنظام يحتجون مراراً على الأداء الحكومي "الكارثي"، الذي بات الفساد فيه أكثر علنية من أي وقت مضى، خصوصاً أن المليشيات الموالية للنظام مثل "لجان الحماية الشعبية" و"الدفاع الوطني" باتت تشكل عصابات محلية على حساب الناس، تحت رعاية الحكومة السورية، وبكل تأكيد ضمن علاقات مافياوية.

في ضوء ذلك، تُظهر التعليقات على الصور، سخطاً، ليس على الوزير نفسه بل على الحكومة ككل، وعلى ما وصل إليه الترهل الرسمي. فتأتي تعليقات مشككة مثل: "شو دور مراقب التموين امام الأمن والدفاع الوطني، بلا حكي وتنظير"، أو "شكراً للوزير، بس الظاهر عينو على رئاسة الوزراء"، أو "العبرة بالنتائج مو بس ينزل يتصور كم صورة بالشارع ترفع رصيدو وشعبيتو، الاهم من الحكي شو القرارات اللي أخذها لتحد من ظواهر الفساد".

ولا ينفي ذلك وجود بعض التعليقات الإيجابية، بسبب غرابة الصور وسورياليتها، في بلد اعتاد أبناؤه مشاهدة ربطات العنق البعثية الحمراء تنسدل فوق "كروش" المسؤولين المجهولين، عديمي الوجوه.. والأخلاق. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها